جاءت
أحداث الضفة الغربية وتحركاتها الشعبية على سياسات حكومة فياض الاقتصادية لتحرك
الأوضاع الفلسطينية سواء في الضفة أو غزة ولتنذر بعدة أحداث قادمة ربما من شأنها
أن تغير معالم القضية الفلسطينية والتي هي بدورها تعيش في أشد مآزقها السياسية
وأكثرها حرجاً منذ تاريخ النكبة ، فإسرائيل فرضت سياسة الأمر الواقع على الجميع
لأول مرة في تاريخها وهي تطمح بأن يستمر هذا الواقع لأبعد حد وأن يتحول لواقع جديد
تكون الكلمة الفصل فيه لها .
كانت
التحركات الشعبية غريبة جداً في توقيتها وفي أسبابها ودوافعها ، فرغم أن سياسة
التهويد الإسرائيلية بحق المقدسات الفلسطينية وسياسة ابتلاع الأراضي وإنشاء
المستوطنات وفرض شروط جديدة على القيادة السياسية الفلسطينية متمثلة بضرورة
الاعتراف بيهودية الدولة وغيرها كما أن ملف الاعتقال السياسي والقمع الأمني
الممارس من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة ما زال مستمراً ولكن كل هذه الدوافع
والتي من شأن أحدها أن يشعل ثورة لوحده لم يحرك الجموع المنتفضة الآن بقدر ما
أشعلها وحرك جماهيرها ضعف "الاقتصاد" الفلسطيني وعدم دفع الرواتب
الشهرية ، وهذا يعكس وجود "اختراق" فكري وثقافي داخل الوعي الفلسطيني
الجمعي وتغيير نوعي في بوصلة "الأهداف" و "التطلعات"
الفلسطينية العادلة .
وهذا
يضعنا أمام اشكاليات كبيرة جداً ومعقدة في آن ، ذلك أن تغير النفسية الفلسطينية من
شأنه أن يعطل مسيرة التحرر ربما لعقود من الزمن ، وأن يعطي لإسرائيل ورقة قوة
جديدة تتمثل في الملف الاقتصادي والذي يعتبر ركيزة أساسية في "فقه" حزب
الليكود في تعامله مع القضية الفلسطينية ، فهو يعتبر أن "السلام
الاقتصادي" مدخل للسلام مع الفلسطينيين ، ويبدوا أن الحزب الذي يمسك بمقاليد
الحكم الآن سعى لتثبيت هذه النظرية على الضفة الغربية على أمل أن تكون مفتاحاً لحل
القضية وفق شروط "اقتصادية" قبل أي شيء ، وهذا كله نتاج سياسة منظمة
التحرير ورئيسها محمود عباس وحكومته "المترهلة" والذين وعدا الشعب
الفلسطيني بوعود زائفة تتمثل في دولة المؤسسات والمشاريع الاقتصادية الناجحة
وزيادة معدلات النمو والحد من البطالة في أكبر عملية "تخدير" شهدتها
القضية الفلسطينية لنصحوا في نهاية المطاف على حكومة مهددة بالانهيار واقتصاد
منهار تماماً وزيادة في معدلات البطالة وتهويد مستمر للمقدسات وتغول استيطاني مخيف
في الضفة الغربية .
ويبدوا
أن المخرج الوحيد لهذه العثرة بالنسبة للسلطة الفلسطينية تتمثل بمقايضة الجانب الإسرائيلي
حول قضية الذهاب للأمم المتحدة مقابل بعض التسهيلات الاقتصادية التي من شأنها حل
الأزمة وقتياً لحين امتصاص حالة الاحتقان الشعبي مع ضرورة استغلال ملف الانقسام
الفلسطيني ليصبح الأمر وكأنه خلاف بين "حماس" و "فتح" والغاء
دور الشارع المحتقن في مدن الضفة الغربية ، ولو حدث هذا –وأقصد تنازل محمود عباس
عن التوجه للأمم المتحدة- دون أي حراك جماهيري أو ردة فعل عنيفة على هذا التنازل
فهذا يعني أن إسرائيل حقيقة فرضت على القيادة السياسية الضعيفة في رام الله شروط
جديدة وواقع جديد أسوء مما قبله سيمكنها من التحكم بأي "قرار" أو
"توجه" سياسي فلسطيني مستقبلاً .
إن فكرة
"الفلسطيني الجديد" التي سعت الإدارة الأمريكية والإسرائيلية بمساعدة
السلطة الفلسطينية على فرضها على الشعب الفلسطيني لابد أن تقبر في مهدها وأن يجري
تغيير الحسابات السياسية عند الفصائل الفلسطينية وخاصة فصائل المقاومة التي تمتلك
قدرة "حشد" إعلامي وجماهيري واسعة جداً ، ذلك أن فصائل المقاومة هي
المتضرر الأكبر أيضاً على المستوى البعيد من هذه الفكرة ، وأن تكون
"الثورة" التي بدأت تظهر ملامحها أكثر فأكثر في الضفة الغربية ذات بعدين
كلُ منهما يكمل الآخر ، بعد يستهدف السلطة الفلسطينية وأساساها "اتفاقية
أسلو" وسياساتها الاقتصادية والسياسية التي أثبتت الوقائع فشلها الذريع ،
وبعد يستهدف الجانب الإسرائيلي الذي كان له الدور الأكبر في صنع المأساة
الفلسطينية تاريخياً سواء في سياساته الاستيطانية وسرقاته لموارد الضفة الغربية
واستنزافها أو سياساته الاقتصادية التي فرضها علينا في "اتفاقية باريس"
وكذلك في مجمل سياسته التي تستهدف وجود الشعب الفلسطيني كله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق