الاثنين، 10 سبتمبر 2012

في الحديث عن ظاهرة المفكر "عدنان ابراهيم"




لا ندري لماذا ما زلنا نتخبط في تعريفنا لـ"الآخر" ، ونتخبط في عدم مقدرتنا على صياغة "فقه جديد" يرتكز بشكل كبير جداً على "الحرية" و "الاجتهاد" ، فطريقة "الفكر" و "الاستنباط" هي طرائق تختلف من شخص لآخر وعليه فإن كل شخص عليه أن يحترم كيف "يفكر" الآخر وكيف ينظر للأمور ، ولكن للأسف الشديد فإننا كل يوم "نقتل" الحرية و "الاجتهاد" في النفوس ونفرض "ارهاباً" متعدد الألوان على كل من يتجرأ و "ينقض" القديم أو بعضاً منه ونفرض خطوطاً حمراء لا يجب تجاوزها أو المساس بها ، والحق أن هذا كله تكلف "ارهابي" على العقل والمنطق الإسلامي ، فحرية "الاجتهاد" مفتوحة على أوسع أبوابها بدون خطوط أو قيود من باب "من أصاب فله أجرين ، ومن أخطأ فله أجر واحد" .

الهزة التي أحدثها الدكتور المفكر عدنان ابراهيم في صفوف التيار الإسلامي عنيفة جداً ، ذلك أنه حاول أن يعيد "للعقل" مكانته الطبيعية بجوار النص ، وأن يعيد النظر في الكثير من الأحداث التاريخية التي شكلت "الوعي" الإسلامي لقرون من الزمن ، وأن يسلط الضوء على كثير من التناقضات التي اعترت الفكر الإسلامي وكبلته ووقفت عائقاً أمام مسيرة التجديد والتطوير .

ولا أدري ما هي "المآخذ" التي يأخذها أعداء هذا المفكر عليه ، سواء من حيث الطرح أو من حيث المنهج ، فالملامح الأساسية لمشروعه هي ملامح "المنهج الإسلامي" حقيقة ، وهي الأسس التي يجب أن يرتكز عليها أي تصور إسلامي عقلاني وصحيح للحياة ولمشكلاتها ، ومن أهم الخطوط العريضة للمشروع التجديدي الذي يطرحه الدكتور عدنان هي :
1) ضرورة اعادة النظر في بعض "المواقف" و "الصفحات" في تاريخنا الإسلامي وإلقاء الضوء عليها وخاصة أنها أثرت على الوعي الإسلامي وعلى "الفقه السياسي الشرعي" منذ أكثر من ألف عام .
2) ضرورة النظر أيضاً في الموروث الثقافي والشرعي وتمييز الصحيح من السقيم منه وخاصة فيما يتعلق بدائرة "الحديث الشريف" ، ذلك أن بعض الأحاديث يكتنفها الغموض وتتعارض إما مع أسس العقل أو مع "التصور الإسلامي" العام للحياة .
3) ضرورة "التعايش" بين طوائف المسلمين المختلفة ، والنظر بشكل آخر لهذه الطوائف بعيداً عن "حزازيات" الطائفية ، دون منع "النقد" و "المحاججة" و "المحاورة" وفق أسس صحيحة وسلمية .
4) التركيز على مبدأ "الحرية" في كل المجالات الحياتية ، واعادة "الاعتبار" اليه ، بعد قرون من التشويه و الاستبداد .
5) حل الكثير من مشكلات الحضارة الانسانية كـ"الالحاد" و "الاستبداد" و "والتخلف" و "الجهل" من وجهة نظر إسلامية عقلانية متماسكة جداً .

فأين هي "المآخذ" و "البدع" التي تكتنف تصور هذا الشخص ؟ وأين هي "الأفكار" التي أدت لإخراج هذا الرجل من الملة وفق تصورات بعض "الفقهاء" و "الكهنة" ؟

هل الموقف مثلاً من معاوية بن أبي سفيان يصلح كدليل على "نفاق" و "كفر" و "بدعية" الشخص ؟ وهل الدعوة لتجديد النظر في بعض الأحاديث أيضاً دلالة على شيء ما ؟ وهل من الممكن أن يحدد لنا أي شخص ما هي الأشياء التي تقبل الاجتهاد وتلك التي لا تقبل الاجتهاد ؟ 

إن الموقف "السلبي" من عدنان ابراهيم تشكل بشكل واضح من جزئية واحدة وهي موقفه من معاوية وبعض رفاق دربه ، دون النظر لباقي "الايجابيات" ومعالم التصور الصحيح الذي يصاحب منهجه ، وهذا يعني شيئاً واحداً وهو أن هناك بعض المدارس الاسلامية تنظر للفرع لا للأصل وتمارس ارهاباً جماعياً على المفكرين والمجتهدين ، وتشن حملات صاخبة لتكفيرهم وتبديعهم وتفسيقهم بحجج واهية وأحياناً بالخلط والتدليس وهذا تمثل في اتهام عدنان ابراهيم بأنه يقول "بتحريف القرآن" و "كفر عائشة" و أنه يطعن في البخاري ويمدح ياسر الحبيب ، وهذا الأمر ليس غريباً على هذه المدرسة والتي سبق وأن كفرت الشيخ أحمد ديدات واتهمته بأنه "قادياني" وقبل ذلك تم تكفير شيخ الإسلام بن تيمية وتفسيق الإمام ابن حزم واتهم امام الفقهاء أبو حنيفة بالالحاد ، فالحقيقة أن مصير "المصلحين" و "المجددين" في التاريخ الإسلامي مؤلم ويدعوا للحزن كثيراً ، صحيح أن من سنن التاريخ أن يواجه المصلحين والأنبياء بردات فعل عنيفة جداً من المجتمعات التي يعيشون فيها ، ولكن الأمر يجب أن يكون مختلفاً لدينا نحن المسلمين ، ذلك أن الإسلام وضع تصورات مبدأية تضمن حرية الاجتهاد لكل من وصل وحقق الكفاية من العلم الشرعي ، ولكن يبدوا أن "منابع" الإسلام الحقة قد تختلط بأدران "التصورات" البشرية الخاطئة كثيراً .

ولذلك –ورغم أني أختلف مع الشيخ عدنان ولي بعض الانتقادات عليه-  فأنا أفتخر بظاهرة عدنان ابراهيم كثيراً ، وأشعر بأنها "حلقة" من حلقات التجديد الحضاري وضرورة من ضروراته ، وأنه يصلح كنموذج قوي للشباب في مجال "التفقه" و "التفلسف" الحقيقي ، بعيداً عن النموذج التقليدي لنماذج العلماء والتي يقتصر علمها عادة على العلم الشرعي وحده دون النظر والتوسع في بقية العلوم الفلسفية والفكرية والثقافية الأخرى ، والتي من شأنها أن تزيد من تفاعل "العقل" مع "النص" فتتولد عمليات متجددة من التجديد والتصورات الإسلامية لكافة المشكلات المتجددة .

هناك 5 تعليقات:

  1. بورك الله فيكم وشكرا للدكتور عدنان على مجهوده في تنوير عقل المسلم والنهوض به بعد ان تاكسدمن جراء الافكار الوهابية. و إني اتسائل لماذا لا يقع تكوين هيئة لتجديد الفكر الإسلامي وإعادة كتابة الفقه الإسلامي على اسس معاصرة فالقرآن ما زال بيننا وكذلك السنة الشريفة (طبعا بعد تنقيتها من الشواب بعرضها على القرآن الكريم) فالساحة الاسلامية تعج بالمفكرين مثل الدكتور عدنان ابراهيم واخص بالذكر المهندس عدنان الرفاعي والدكتور جمال البنا....

    ردحذف
    الردود
    1. القضية لا تكمن في الفكر الوهابي، إنما تكمن في حالة التخلف الفكري المسيطرة على كافة التيارات الإسلامية بلا استثناء، وربما التيار الوهابي مسلط عليه الضوء أكثر من غيره لتمتعه بسلطة أكثر من غيره، لكن علل التيار الوهابي منتشرة في بقية التيارات، ولذلك لا أحب التركيز على مذهب واحد وتصويره كأنه هو المتسبب فيما نعيشه الآن، بل يجب النظر من زواية أكثر عمقاً، مع اتفاقي حول أمنيتك بضرورة تكوين هيئة لتجديد الفكر الإسلامي .

      حذف
  2. جميل جدا : وشكرى ايضا كبير لك " اسوار عكا " الدكتور عدنان بالفعل اكبر من ظاهرة واكثر من حاله ان وصفته بكلمه فاقول الصادق انه رجل صادق جدا ولك تلمس ذلك فى حديثه عن اى موضوع وانا اميل وبشده الى راى الاخ بخصوص تكوين هيئه لتجديد الفكر الاسلامى واعادة كتابة الفقه الاسلامى على اسس معاصره " فهذا نجده فى محاضرات وخطب الدكتور عدنان ابراهيم

    ردحذف
    الردود
    1. كلامك صحيح أخي غسان، الشيخ عدنان له طريقة وأصبحت لديه مدرسة تسمى بالعدنانيين، مع أن مدرسته بدأت تتعصب له وتنزهه كما تفعل معظم التيارات الإسلامية مع علمائها وهذا مدخل الانتكاس، يجب أن نتذكر بأن عدنان ليس هو الغاية ولا هو الحلقة الأخيرة انما هو حلقة مرتبطة بحلقات سابقة ولاحقة .

      حذف
  3. وشكراً لكم أخوتي واعذروني على التأخر في الردود .

    ردحذف