الأحد، 30 ديسمبر 2012

مصارع العشاق وشهادة المشتاق





تتسارع نحو الموت أكثر ، تلاحقه في كل مكان ، وتصاوله في كل الميادين ، إنك الآن "فارسٌ" من طراز رفيع تطلب الموت وتطلب الحياة وتحاربهما معاً ثم تنتصر عليهما جميعاً ، لابد أن يعترف لك الموت بأنك هزمته مرتين ، الأولى عندما كفرت بالخوف منه والثانية عندما امتد اليك سيفه فلم يقضي عليك ذكراً وروحاً ، فطارت روحك في قلوب الكثيرين ، ولابد أن تعترف لك الحياة بأنك هزمتها ألف مرة تبدأ من رفضك الانصياع لأوامرها ولا تنتهي بتخليك عن قوانينها المفروضة وفرضت حياة جديدة وبشكل جديد وبقوانين جديدة لنفسك ولروحك في مكان آخر وفي زمن آخر .

هكذا يتصارع العشاق ، عاشق الأرض وعاشق البندقية وعاشق الثورة وعاشق الكلمة ، يبارزون سراق الأوطان ويحاربونهم بعشقهم الجميل ، فالعشق سلاحٌ فتاك ، لأنه يفرض عليك الحب الذي يجعلك تتمسك بما تحب ، فيصبح سيفاً في اليد وشجاعةٌ في القلب وفصاحة في اللسان ، ولا يدرون بأن العشق خالد لا يموت ، متجذر في النفوس يحرض ويساعد ويشد ويثبت .

إنه ذلك "الوهج" المشع في كل مكان ، وذلك "الأمل" المبثوث في كل البقاع الطليقة ، وذلك "العطر" المنتشر في كل الأرجاء ، وما علينا إلا أن نعشق أوطاننا وأن نقاتل من أجلها وان نموت في سبيلها ، ليس من الصعب أن تدرك بأن المقاومة أسمى آيات "الوفاء" وأن الشهادة أعلى مراتب "العشق" السرمدي التي لا تصل إليها مكانة أو مرتبة .

هكذا إذاً تتكور المعادلة في نفوس الشباب ، تتخمر جيداً في العقول وتبث نفسها متوثبة نحو العمل ، فتعبر عن نفسها جيداً في المعركة وفي الاجتياح وفي الاغتيال وفي العمليات الاستشهادية ، وفي الصمود وفي الثبات وفي القتال وفي الميادين .

لما أتته الشهادة كان بين حياته وما بعدها خيط دقيق فاصل ، رأى من خلاله عالمين مختلفين ، رأى كل التناقضات تركع أمامه ، نظر إلى مد بصره وأيقن تماماً أن الدماء قد وصلت إلى هناك ولم يستغرب أبداً ، فالأرض لا تنسى أبنائها أبداً ، إنها تسيل دمهم لتروي عطشها الممتد ، فتزهر محله أزهاراً ورياحين ، لتصبح ذكراه إما صورة زهرة ربيعية متفتحة أو رائعة عطر فواح .

لقد تفجر جرح المشتاق ناثراً الدم غزيراً ، لقد عبر عن عشقه المسجون دماً وأشلاءً ، إنه عنترة بثوبه الفلسطيني وقيس بملامحه الغزية يصرحون بجنون الحب في فداء الأوطان ، يتحدثون عن القدس التي تشبه عيون عبلة ، عن غزة التي هي أجمل من شعر ليلى ، عن السماء والبحر والريف والجبل ، أين "المحبوبات" الصغريات ليرين أنهن في الحب "عيال" عند "المحبوبة" الكبرى ؟

أين اللواتي تعودن أن يسمعن مجرد "كلمات" معسولة فيطربن بهن فرحاً ليرين كيف أن العشاق الاستثنائيون يبذلون الدماء ليثبتوا "عشقهم" و "حبهم" لمن يحبون ويعقشون ، لكم ليلى وعبلة وهند وسمية وسعاد ولنا فلسطين بغزتها وقدسها وضفتها وجبالها وسهولها وبحرها وسمائها .

النصر للعاشق المشتاق محب الوطن ، مطلق الطلقة وصاحب الموقف وسيد المرحلة ، فارس الأرض وحامي العرض وبطل هذا الزمان المجيد ، المجد له براً وجواً وبحرا ، الخلود له حياةً أو موتا ، والتحية الأخيرة تحييه وتنشد روحه السلام ، فسلام لك وسلام عليك ووردة على روحك الطاهرة في عليين .