الاثنين، 22 أبريل 2013

ثنائية الموت والحياة في مدينة كغزة .




لست مغرماً بالموت، قد أفتخر فيه عندما يجيء في الوقت المناسب وبالطريقة التي أرغبها، لكني لا أحبه ولا أطيقه في الوضع الطبيعي، حتى ذلك النوع الذي أفضله "الشهادة" لا أفضله لذاته بل لأني على قناعة بأن هذا الصنف يحمل في طياته رسالة الحياة الحقيقية، فالموت في سبيل الدفاع عن الوطن والدين والعرض بقدر ما ينزع الروح من جسد صاحبه بقدر ما يبث الحياة لأناس آخرين في كل أجزاء هذا العالم، ذلك البعد الفلسفي الذي عبر عنه ثاني الإثنين بقوله "اطلبوا الموت توهب لكم الحياة" .

لكن كرسالة أحملها فأنا أحب الحياة ما استطعت إليها سبيلا، وأتمتع بها بقدر ما أستطيع، وأحاول تحصيل معارفها ومباهجها بكل جهد، وهذه هي حياة المجتمع الفلسطيني الخاصة والعامة، ربما يحاول البعض أن يصطنع الشدة حيناً أو يفتعل الشخصية الجادة في كل وقت ولكن كل هذه مظاهر مصطنعة، فنحن نشارك في أفراح بعضنا ونخرج سوياً في الرحلات العامة ونذهب لشاطئ البحر صيفاً كل يوم، نضحك ونتسامر ونحب ونتشوق للزواج وللعمل وللنجاح في ادارة الحياة .

كل هذا ونحن نلتقي الموت يومياً، ونزف شهدائنا بين الحين والحين، ونودع أحبابنا للمقابر بين الوقت والوقت، ومنا من ينتظر الفرصة لتنفيذ عملية استشهادية، والبعض الآخر يرابط في مناطق التماس حيث فرص العودة ليست مؤكدة دائماً .

ربما هي ثنائية "الموت/الحياة" في حياة الانسان الفلسطيني، الانسان الذي يضحك ساعة بكل قوة ويحزن ساعة أخرى بكل رثائية، حب الموت الذي جعله يفجر نفسه في الباصات والشوارع ويقتحم المستوطنات ويتصدى للاجتياحات وحب الحياة الذي جعله يحفر الأنفاق بكل ما تعنيه من ارهاق وتكاليف ليوفر متطلبات الحياة العادية والمرفهة ويجعل من "زيت القلي" وقوداً للسيارات عندما انقطع عن القطاع كلياً، أو ربما تتابعية الحزن والفرح وتوازيهما في الوعي الشعوري العام، ذلك الحزن الذي ترى ملامحه جيداً في عيون الضحايا وفي مآتم الشهداء وعند البيوت المدمرة والأسر المهجرة وذلك الفرح الذي يجعل من هؤلاء يخرجون في مسيرات الانتصار الذي أعقب حرب الفرقان وحرب حجارة السجيل .

هذا هو باختصار مجتمع المقاومة، هو مجتمع عادي تحكمه العاديّة في مختلف شؤون حياته، لكنه يختلف في شيء واحد وهو تقبله للموت واستعداده له في أي وقت، ومن يعتقد بأن حياة المجاهد تختصر في بندقية ورباط وعملية استشهادية فهو مخطئ تماماً، بل هي امتداد غني بالتجارب والطموحات والأحلام والأماني والمشاعر المُحِنّة، هذه هي الفكرة بشكل مبسط حب مطلق للحياة وتقبل لفكرة الموت .