الخميس، 22 نوفمبر 2012

أساطير غزة الجميلة .





** تتمرد عروس البحر عزاً وتتيه فخراً أمام أمجاد شبابها الفرسان، تلك المدينة التي تلدُ المجد يومياً ولا تنام على "قعقعات" الحرب ساعةً تأبى إلا أن "تنغص" على عدوها المتوحش والمتجبر بكل أدوات العدوان الرهيب حياته، فتصارعه .. تكابده .. تحاربه .. تصمد على قدميها أمام ضرباته القاصمة فتنهار الضربات وتنقلب على عقبيها لتؤكد المقولة التي مطلعها "الضربة التي لا تميت تُزيدُ قوة" .

** يذهبُ ذاك الشاب - ابن الوحدة الصاروخية - يلقمُ مجموعة الصواريخ الأولى ويرشق مدينته المحتلة "عسقلان" وتطير الصواريخ حاملة معها رسائل غزة التي لا تموت، ثم يعود مرة أخرى لينصب المنصة، "توقف يا مجنون" يصرخ عليه صديقه، طائرات الاستطلاع لا تغادر الأجواء تمهل قليلاً، "خليك ساكت" يجيب عليه ثم يتجه نحو المنصة فيرضعها الصواريخ تباعاً، صعد الصاروخ الأول والثاني والثالث ثم دوى انفجارٌ رهيب، لقد أصبح أشلاءً في بيارة الزيتون .

** "يمّا دير بالك على حالك" تخاطب ولدها "المرابط" قبل أن يخرج، "متخافيش يمّا اللي كاتبه ربنا بيصير" يرد عليها الشاب البِكر، ثم يغادر المنزل مسرعاً بعد أن قرأ سورة "الأنفال"، يلتقي مع بقية الرفقة، ينتصبون في الأزقة والطرقات، يراقبون الوضع بأعينٍ لامعة، بردٌ وصقيعٌ وسماءٌ ملبدة بالطائرات، كل ذلك لا يهم حقاً، "قسماً بالله لغير نستشهد اليوم" يقول لبقية أصحابه فيضحكون وكأن الموت أضحوكة ليس لها إلا السخرية، كان صادقاً وأبر الله قسمه، دقائق معدودات وأصبحت المجموعة خارج التغطية الدنيوية، لم يدرك الطيار بأن هؤلاء "المخربين" يحبون هذا المصير كثيراً ويسعون إليه، قبل أن يخرج من منزله أشفق على أمه أن يخبرها بأنه شاهد نفسه في آخر أحلامه "محمولاً على الأكتاف" .

** ذلك الطفل الصغير أصبح معياراً للنصر والهزيمة، لحد هذه اللحظة كلما سَمِعَ صاروخاً ينفجر يبدأ بالتكبير والضحك بل والرقص أحياناً، أصبح البعض يقول بأن إسرائيل ستحقق أهدافها عندما يبكي هذا الطفل لو سمع صوت الانفجار، ثلاثين ضربةً في اليوم وأحياناً أربعين وخمسين وهو يضحك، بل ويمعن في التحدي فيخرج ليلعب كرة القدم، أي إنجازٍ يا إسرائيل وهذا الطفل يلعب في ذروة الحرب خارجاً، بعد ذلك تفهمت قليلاً لماذا قصف هو وبقية "البراعم" الغضة الطرية، كان "الطاغوت" محرجاً من هؤلاء الصبية، إنهم يحرجون دولته كلها، يثبتون أنهم أحق بالحياة منه ومن شعبه، مئة ضربة بل وألف ضربة لا تمنعهم من اللعب خارجاً وتحدي "الموت"، بينما "شبه ضربة" تكفي لكي يهرول كل شعبه نحو الملاجئ خوفاً وهلعاً، لقد انتصر عليكم يا حمقى يوم أن خرج يلعب متحدياً ويوم أن قتلتموه قصفاً لأنكم أثبتم للجميع كم تزلزلكم رسائله "المرعبة" .

** قبل أن يقوم بقنص الدبابة يطلب منه رفيقه أن يركز جيداً فيرد عليه "متخافش يا حوت والله لأمزعها تمزيع" ثم يوجه الصاروخ الموجه نحو الدبابة ويهدأ قليلاً، ثلاثة اثنان واحد وانطلق الصاروخ، ثوانٍ معدودات وأصبحت الدبابة في "خبر كان"، تملّص الإثنين رويداً رويداً وتراجعوا باتجاه البيارات الخضراء، لم يدرك أيٍ منهما أنهما قد رصدا، أبرقت السماء ثم تهاويا أرضاً، استشهدا، وكان أحدهما قد خط على حائط منزله يوماً "نحن في الحرب أسودٌ لا نهاب" .

إنها معادلات النصر "المضرج" بالدماء، وفرضيات البطولة المرموقة، عجيبٌ أن تكون نظريات النصر/الشهادة بمثلِ هذا البهاء، يستغربُ البعض كيف أن الأبطال جميعاً أصبحوا شهداء ؟ ولكن الحقيقة كيف للأبطال جميعاً ألا يكونوا شهداء ؟ أليس الموت أحياناً يبعث الحياة من جديد ؟ أليس الدمُ هو الذي يكتب الفصل الأخير في أي نصرٍ مشهود ؟ 

أساطير غزة الجميلة، أولئك الشبان الثائرين المظلومين المرابطين، الذين ينتشرون على طول هذا الوجع الذي سمي "وطني" يسجلون القصة الأجمل في تاريخ هذه المدينة الصغيرة، هؤلاء أصحاب معادلة الشهادة أو الكبرياء .