الجمعة، 27 يوليو 2012

من وحي الحياة "2"




** الحقيقة دائماً بيضاء وساطعة ، وهي موجودة في قلب كلٍ منا جلية واضحة ، لكن الأكثر يحاولون التشويش عليها وتشويه معالمها لأسباب كثيرة ، فالحقيقة موجعة ومؤلمة للكثير والكثير ، ولذلك يفضلون طمسها باستخدام أساليب كثيرة ، فلا تنتظر من أحد أن يعرفك إياها ، يكفي أن تعرفها أنت فقط وأن تؤمن بها ، وبعد ذلك ليحاربك العالم كله ، وليضحك عليك الجميع ، فأنت بها جماعة ولو كنت وحدك .

** ثق تماماً أن الكثير من البشر عانى مثلك من صعوبات الحياة المختلفة ومن لسعاتها المتكررة ، ولذلك أحاطوا قلوبهم بحواجز كثيرة وبطبقة صلبة من الحذر والقسوة ، لكن خلف تلك الحواجز قد تجد قلوباً نقية جداً تحب الآخرين ، ما عليك إلا أن تحاول الولوج لأعماق هذه القلوب واختراق هذه الطبقات والحواجز ، سترى الفارق بين المظهر والجوهر ، بين ما صنعته قسوة الحياة وبين ما احتفظت به فطرة الخير النقي ، حاول فقط .

** عوالم "الثقافة" و "الفكر" و "الفلسفة" مسكونة بالجنة والنار ، مليئة بالألغام عن طريق وبالورود والرياحين في طريق آخر ، وعندما تقتحم هذه العوالم لا تنسى سلاحك المتمثل بمبادئك وعقائدك ولا تنسى أهدافك أيضاً المتمثلة بالجنة والرياحين ، كلها ثنائيات يجب أن تضعها في الحسبان ، فالنوايا الحسنة لا تكفي أحياناً .

** كنت قديماً أكيف حياتي وفق "حكمة" الآخرين وأصوغها على وقع "تجارب" الناس ، كنت أعتقد أن هذه هي فلسفة الحياة الحقة فلا خاب من استشار ولا خسر من استفاد من تجارب الآخرين ، لكن وجدت أن هذه فلسفة خاطئة ، صحيح أن طلب الحكمة أمر لابد منه والتعلم من تجارب الآخرين شيء بديهي ، لكن قبل كل ذلك يجب أن يكون لك تصورك الخاص وفلسفتك الشخصية وحكمتك التي تخصك وبعد ذلك تأتي "حكم" الآخرين كمكمل لبنائك وأساسك ، سابقاً كان العالم كله مركزاً وأنا أدور حوله ولا أدري أين أنا ، أما الآن فأنا مركز والعالم يدور حولي ، فأحدد موقعي جيداً وأحدد موقع الآخرين كذلك .

الأربعاء، 25 يوليو 2012

أبو ثائر وتقلبات الزمن العجيب




يقلب أبو ثائر صفحات ذاكرته صفحة صفحة بعدما  أشعل سيجارته متأملاً كيف تقلب الزمن وتغير الحال وتبدلت الأنفاس من الضد إلى الضد ، ليسوح في عالم من المتناقضات والأضداد التي يعجز عن تشكيلها وفهم معالمها عقله البسيط ، يقف مذهولاً في تفسيره لثنائية "المجد" و "الانحدار" و "الوطنية" و "الخيانة" ولا يدري كيف تشابكت كل هذه الخيوط ببعضها البعض وتداخلت أطرافها حتى أصبح لا يفرق جيداً بين القتال لأجل الوطن والقتال لقتل الوطن ، وبين حراسة الحدود من الأعداء وحراسة الحدود لأجل الأعداء ، ويحاول مجهداً أن يفسر كل هذه الثنائيات ولكنه كـ"العادة" يفشل لا لشيء إلا لأنه لا يريد أن يفهم أن بندقيته تغيرت وجهتها ورضيت بالقليل وحتى هذا القليل لم يرضى بها .

لقد تبدلت حياته كثيراً بعد توقيع اتفاقيات السلام ، حتى فكر يوماً أن يغير اسمه لأبو سلام ، فالاسم المرتبط بالحوادث يتغير معها صعوداً وهبوطاً ، فعندما كانت الثورة هي الحل الأول والأخير كان اسمه أبا ثائر ، وبعدما تغير الأمر وأصبحت المفاوضات هي الحل الأول والسلام هو الهدف الأخير أراد أن يكني نفسه أبا سلام ولكن عندما لم تعجبه "الرنة" الإيقاعية للكنية الجديدة تساءل في نفسه كيف لم يوافق على الكنية الجديدة بينما وافق حقيقة على مدلول الكنية ، وكيف رفض تغيير اسمه ولكن وافق على تغيير مبدأه وثوابته ؟

حتى بندقيته لم تخلوا من التناقضات المتجددة ، تلك التناقضات التي خجل من حقيقتها كثيراً ، فبندقيته كانت محل تقدير عالمي عندما زغردت في بيروت وفي الأردن في عيلبون وميونخ وكان يقدمها على كل شيء فيصرخ في وجه الجميع : لا صوت يعلو فوق صوت البندقية ، فكانت البندقية فوق كل المفاوضات وفوق كل الحلول وفوق كل شيء ، لكنها هي نفسها تلك البندقية التي أصبحت بعد "أسلو" وسيلة مفضلة لقمع الشعب وتدجينه وتهجينه ، وأصبحت توجه لصدور رفقاء الدرب والسلاح ، وأصبحت "مسبة" تجلب لأبو ثائر كل أنواع التخوين والتكفير الوطني ، وصدأت في بيت أبو ثائر ولا يعاد تنظيفها إلا أثناء خروج مسيرة لمواساة استشهادي أو لقمع تجمع لرشق الدبابات بالحجارة أو عند رؤية مجموعة من المقاومين يحاولون مهاجمة السلك الحدودي واجتيازه .

لكن أكثر اللحظات إيلاماً في تاريخ أبو ثائر ، هي نظرات "الحب" و "الإعجاب" و "الافتخار" الوطني التي كانت تنطلق من عيون الناس أطفالاً ورجالاً ونساءً وشيوخاً إلى بنادق الثائرين والمجاهدين فتغمر الثوار بأحاسيس الوطن الدافئة بينما يرمقون بندقية أبو ثائر بنظرات "الاستحقار" و " التقزز" و "الاستهجان" وكأنها بندقية لقيطة ممسوخة بيد شخص ممسوخ فتستحيل حياته في تلك اللحظات العابرة جحيماً لا يطاق ، وقد كان لـفرط ذكائه يعرف الجواب ، يعرف لماذا تقبل بندقية رائد الكرمي ومحمد فرحات وأبو الهنود ومحمود طوالبة وتنثر على أجسادهم الورود والرياحين ، بينما يبصق على بندقيته ألف مرة كل يوم ، هو يدرك جيداً الفرق بين بندقية الثائر وبين بندقية المرتزق ، ولكن لفرط غبائه أيضاً أنه كان مصراً على المضي قدماً في طريقه المجهول النهاية .

وها هو أبو ثائر يكمل حياته متنقلاً بين محطات الحياة المختلفة ، حتى روتينه "غير الوطني" أصبح مملاً أيضاً ، فهو يعتقد بأن السبب في توقيع اتفاقيات السلام مع العدو الإسرائيلي كانت بسبب الملل من الثورة وروتينها القاتل ، ويتسائل لماذا مللنا من روتين الثورة ولم نمل من روتين "المفاوضات" و "السلام المزعوم" ؟ وهكذا تمضي حياة أبو ثائر بعيداً ، بين الخروج لإعتقال أحد المقاومين أو في دروية حراسة لإحدى المستوطنات أو في نجدة عاجلة لأحد الجنود التائهين في شوارع الضفة أو لقمع إحدى المسيرات الوطنية ، تمضي حياة أبو ثائر متكدرة تماماً ويبكي أحياناً عندما يختلي بنفسه ، هو يتمنى أن يكون مقاوماً ، فرغم "حقاراته" المتكررة وعدائه لكل ما هو مقاوم ومحاربته لكل مشاريع المقاومة والكفاح المسلح ، يتمنى أن يكون مقاوماً ، ان يكون مثل طوالبة أو أبو سرية أو أبو الهنود ، حينها يدرك الفرق تماماً بين المقاوم وغيره ، يدرك مدى شعبية المقاوم أيٍ كان مذهبه وتقزز الناس من أي "مرتزق" أيٍ كان مذهبه أيضاً .

بانوراما الأشياء الصغيرة والمشاعر العابرة ..




لا تشعر بقيمة الأشياء إلا بعد فقدها ، وبعد أن تصبح نسياً منسيا ، بل لا يخطر على بالك أبداً أن هذه التفاصيل الصغيرة المنتشرة في حياتك سيكون لها ألف قيمة بعد فقدها ، عندما عبر درويش عن حنينه لأمه تذكر تلك الأشياء جيداً فقال "أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي" وهي تلك التفاصيل الصغيرة التي سيجبر على تذكرها أي فاقد لعزيز أو رفيق أو مكروب ، لما قابلت أحد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي أخبرني كيف أنه اشتاق لكأس الشاي وللمشي في الشارع وللنظر في وجه أمه وللجلوس أمام عتبة البيت وللصلاة في المسجد والضحك مع الأصدقاء وللركوب في السيارة ولمتابعة الأخبار ، هذه التفاصيل الصغيرة والمملة والروتينية أحياناً تنقلب إلى إطار قلبي يحيط بالذكريات ويحرسها جيداً ويدلل عليها مع مرور الزمن ، إنك لا يمكن أن تنساها لأنك تفعلها كل يوم ، فتصبح جزءً من حياتك لا تشعر به دائماً لكنه وهو "متخفٍ" يعطي لحياتك مذاقاً خاصاً يجعلها تختلف عن "حيوات" الناس الآخرين ، فلكل حياة ولكل شخص تفاصيله الصغيرة التي لا تهمه أحياناً وتهمه أحياناً أخرى وتؤثر فيه و "تصيغ" شخصيته مع مرور الزمن .

هي نفسها أيضاً الكثير من المشاعر العابرة من ضحكة وبسمة ودمعة ورفقة وحب في لحظات ما ، فتتخطى عتبة النسيان لتصل لأعماق الذاكرة ، حيث تسكن الكثير من الأقاصيص ولحظات الفرح ولحظات الحزن ومواقف الحياة المختلفة والمؤثرة ، هي التي لا تعطيها اعتباراً دائماً لكنها تصير في لحظة فقدٍ إلى مشاعر دائمة تفرحك أحياناً وتبكيك أحياناً أخرى ، ولما كنت أنا صديقاً مقرباً لأحد الشهداء وأجالسه كثيراً ، لم تكن الضحكات والسهرات وباقي محطات الرفقة المتكررة بيني وبينه تؤثر على حياتي كما هو الحال بعد استشهاده ، فتصبح كل تلك الذكريات حقيقة ومجازاً محطات فارقة في حياتك ، فتبحث فيها عن تفاصيل التفاصيل ، وتبذل مجهوداً نفسياً وعقلياً لتستذكر كل لحظة عشتها معه ، فهذه الذكريات وبعض الصور المتفرقة ستصبح توثيقاً قلبياً ومشاعرياً لمحطة كاملة من حياتك ، محطة لن تنساها أبداً وستبقى محفورة في أعماق أعماقك إلى الأبد ، ومهما تخطيت السنين والأعمار فستبقى تستجمعها لأن الإنسان تاريخ وماضٍ .

تظهر كل هذه التفاصيل جلياً أمامك ، في تلك اللحظة التي لم تعد للحياة فيه أي معنى ، وأحياناً تستشعر بأن سنوات الماضي أكثر بكثير من سنوات المستقبل ، فتصبح سلواك في أشياء كثيرة .

السبت، 7 يوليو 2012

فـلـسـفـة الـمـقـاومـة ..




 " فلسفة المقاومة تختصرها أنك لابد أن تنتصر رغماً عن أنف الجميع "

المقاومة .. هل كل ما لدى الإنسان من قوة ذاتية تؤهله للبقاء ، وهي الوسيلة المشروعة لنيل كافة الحريات والمطالب الإنسانية ، فهي ملحمة إنسانية عابرة للتاريخ والقارات ما زالت لحد هذه اللحظة مصدر إلهام تاريخي لجميع شعوب العالم فـ"الأنا" لا تضع أو تثبت نفسها إلا حين تقاوم كما قال فيلسوف المقاومة "فيختة" ، فـ"أنا" يصبح لها قيمة معنوية وسياسية وإلهامية كبيرة حينما تقاوم ، وفي اللحظة التي تعتبر نفسها أهلاً للمقاومة يكون بمقدورها صنع المعجزات التاريخية .

كما أنها ليست مرتبطة بـ"ظروف" و "حالات" اجتماعية أو سياسية أو عالمية ما ، بل هي ردة فعل عفوية صادرة عن شعوب مضطهدة في لحظات وأوقات غير متوقعة ، وأحياناً تكون هذه الشعوب في أضعف حالاتها الفكرية والسياسية والاجتماعية ، فتصبح "المقاومة" محركاً ودافعاً لتلك الشعوب كما أنها تصبح "وسيلة" و"هدف" يتفق عليه الجميع في أوقات يختلف الناس فيه على كل شيء .

فالمقاوم حينما يمسك سلاحه الخفيف وفي لحظة ما قد يكون وجهاً لوجه ضد أقوى جيوش العالم ، في تلك اللحظات الخانقة حيث الضعف والخور والجبن يعصف في كل أنحاء العالم لا يبالي بقوة خصمه بتاتاً بل يضع في حسبانه أنه لابد أن ينتصر رغم ضعفه مهما عظمت "التضحية" ، فيصبح النصر هدفاً رغماً عن أنوف كل "الصعاب" و"الأوضاع العالمية" و"الأعداء الكثر" ، فتكون المقاومة هنا عبارة عن "قيمة" معنوية ذات دلالات كثيرة ، فتدلل تارة على التمسك بـ"الثقافة الوطنية" و "التراث التاريخي" و "الهوية الوطنية" و "الشجاعة الفائقة" في مواجهة الخصوم ، فالضعيف الشجاع دائماً يثير الإعجاب .

كما أن التراث يدرك تماماً أهمية "المقاومة" وسيلة وهدفاً وقيمةً ، فتجده يخلد أمجاد المقاومين والمجاهدين ويرفع من شانهم لدرجة السماء ، حتى يرسخ في أذهان الأجيال اللاحقة أهمية "المقاومة" و "رد الصائل" ويجعل من كلمات المقاومين الخالدة عناوين تاريخية مأثورة ، وفي نفس الوقت "يلعن" الخونة وباعة الأوطان بكل شراسة .

إن التاريخ الإنساني كله يفتخر بالمقاومة ويعتبرها من أبهى قيم الحضارة مكانة وعظمة ، إنه دائم الحديث عن بطولاته وأمجاده في التضحية والمواجهة ، كما أنه يقدس قيم الشجاعة والفروسية ومقاومة الإستعمار ومواجهة الغطرسة والطاغوت ، ويتبرأ من أي صفحة من صفحاتها كان عنوانها "الهوان" أو "الإنحناء " أو "التبعية ".

ولذلك يجب أن تبقى المقاومة "وقادة" و "ومتحركة" و"متجددة" في كل وقت وحين ، لأنها وسيلة من وسائل اثبات الذات والنفس ، إن أي شعب يقتل روح "المقاومة" في نفسه يقتل نفسه رويداً رويداً .

الجمعة، 6 يوليو 2012

من وحي الحياة ..




** كنت أنظر لأولئك الذين يعلمون أطفالهم كيفية التعامل مع طرائق الحياة وأساليبها مذهولاً حقيقة لأني أنا لا أجيدها في كثير من الأحيان ، وأقول ما فائدة القراءة وما فائدة التعمق في الفكر الإنساني طالما لم تكن لديك أي مقدرة اجتماعية لمواجهة الحياة اليومية التي يعتزلها الكثيرون من طلاب الفكر والمعرفة والذين لا يدرون تعقيداتها المتكررة ، لكن في نهاية المطاف وجدت أن الفكر والعلم والمعرفة ستجعلان الإنسان رقماً صعباً في الحياة برمتها ، أنظر للتاريخ واحسب عدد من مات ورحل وأصبح مجرد رقم يذكر على الهامش بينما أنظر لأولئك الخالدين في الحياة الإنسانية الذين أصبحوا منارات في كل شيء تقريباً ... إنهم لن يخرجوا عن دوائر ثلاثة " مفكرين أو أنبياء أو شجعان " .

** هناك صفعات وضربات تنزلها عليك الأقدار يوماً بعد يوم ، تستطيع تجاوزها وامتصاص غضبتها لكنها في النهاية تبقى آثارها عليك فحتى وإن خرجت منتصراً فستخرج مدمياً بالجروح والقروح ، إنهم يقولون بأن الضربات التي لا تميت تزيدنا قوة ، نعم إنها كذلك ولكنها تبقي في قلوبنا جروحاً تستعصي على النسيان .

** إن التجليات الروحية التي يبعثها القلب أحياناً تمدك بروافد من الطمأنينة والسعادة قلما يشعر بها الناس ، إن الحياة بدون تلك الومضات التي تأتينا بين حين وحين تعطينا المزيد من الأمل في هذه الحياة ، لذلك هي خلاصة ما يمتلكه الإنسان في هذه الحياة المليئة بالضجر .

** أجمل شيء هو أن تيقن بأن هنالك شخص ما يهتم لأجلك ويحاول أن يسعدك في كل وقت وحين ، ويبذل جهده لإرضائك ، ربما لن تجد الكثير من هذه النوعية وانك متأكد أنك لن تجد الكثير منها بل ربما لن تجدها مطلقاً لكن أيقن تماماً أن شخص واحد من هؤلاء سيسعدك دائماً .