الخميس، 2 أغسطس 2012

جلال الأرض وقدسية المكان ..




جلال الأرض وروعة التضحية وألم الذكرى وأمل المستقبل ودماءٌ على الحائط ، مسافة قصيرة بين الآلام والآمال وترابط غير مفهوم بين الماضي الذي مر سريعاً والحاضر الذي يسير ببطء والمستقبل الذي قد يأتي وقد لا يأتي ، ها أنا أتحدث عن فلسطين وعن غزة وعن القدس وعن الجليل وعن الخليل ، أتحدث كثيراً كي لا ينسى أحد ، وأبكي كثيراً كي لا يفرح أحد ، وأطلق الرصاص كثيراً كي لا ينام أحد ، وأحدث نفسي أن الجميع يجب أن يدفع الثمن بأشكال مختلفة ، أشكال تتوزع بين الفخر وبين الندم وبين الفاجعة .

في هذه البلاد تختلط الأشياء والقصص والمشاعر ، على أول الشارع مقاتل يملأ الدنيا ضجيجاً ، وعلى الرصيف فتاة تكحلت الأسى ، وفي البيت أم ثكلى بأولادها ، وفي الطريق إلى المقبرة جنازة شهيد لم يبلغ العامين ، وعلى شاشات الأخبار وصية استشهادي زلزل كيان الاحتلال ، ترفع عينك للسماء على أمل رؤية زرقتها فلا ترى إلا طائرات الموت في كل مكان ، فتخفض عينيك قليلاً فتجد الحدود وأسلاكها تحيط بك من كل جانب ، تنام على وقع هدير الاجتياح ثم تستيقظ على تكبيرات الجنازات .

معركة إذاً هي ، معركة على "البسمة" وعلى "البقاء" وعلى "الوفاء" وعلى "الجذور" وعلى "الزيت" وعلى "الزيتون" ، معركة على الذكرى الطيبة ، على الصمود والمقاومة ، يريدون أن يسرقوا منك كل شيء ، وأن يجردوك من كل شيء ، وأن يمنعوا عنك أي شيء وكل شيء ، وأنت ترفض كل هذا وتصرخ أنك ترفض كل هذا وتقاتل لأنك ترفض كل هذا ، وتذهل الجميع لأنك ترفض كل هذا ، فيسألوك لماذا ترفض وتعيش على الرفض فتقول لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة !

سالم جبران يكتب على الحائط "كما تحب الأم طفلها المشوه ، أحبها ، حبيبتي بلادي" ، ونحن نحبها بلادنا ، نحبها كما هي ، وإن كانت الآن مقطعة الأوصال نحبها ، وإن كانت محاصرة نحبها ، وإن كان القتل عادة يومية بداخلها نحبها ، والموت على طرقاتها ينتظر نحبها ، والبؤس على شفاهها نحبها ، فمن ينزع الحب من قلب المحبين من ؟ ومن يجرد الشوق من خلجات النفس من ؟ ومن يستطيع قهر الفطرة ومعاداة نواميس الطبيعة من؟

هنا تسكن الأساطير ، وتنام مع المرابطين يومياً ، وعلى الحائط يكتب شاب ما "نحن في الحرب أسود لا نهاب" ، شعارات ربما تبدوا أكبر من حجمنا لكن مع التجربة ثبت أننا أكبر من التجربة نفسها ، فتتجدد الشعارات مع تجدد التجارب وتكبر كلما كبرنا ، يصرخ في وجه أعدائنا درويش ويقول "أيها المارون بين الكلمات العابرة" ، كثيراً ما يصبح القلم سيفاً مشرعاً يقطع زيف أسطورة الدولة البلهاء ويحطم هيبتها ، يتعانق السيف والقلم ليبث في الروح الحياة ، ويعانق الدم الأرض فتزهر أزهار الياسمين ، تقف على أرض الشهداء مذهولاً لتتذوق طعم الأرض وتشتم مسكها وريحانها ، سيعتقدون بأنك خارج الزمن وخارج التاريخ وخارج الخارج ، هؤلاء الذين قال عنهم أمل دنقل "لم يتذوقو طعم الثريد" لن يستوعبوا أن أرضك أكبر من أن يستعمرها قزم وأنك أسمى من أن ترضخ لصعلوك ، إنك أنت أسمى من الموت وأقوى من فولاذ الدبابات وأهيب من جيشهم الذي لا يقهر ، إنك أنت الذي وصفك تميم بأن القدس لا ترى إلا أنت ، وأنت أنت الذي لا ترى إلا هي فلسطين .