الجمعة، 14 سبتمبر 2012

كيف نفهم "الإساءة" للنبي محمد ؟





ربما تشكل حلقات "الإساءة" المتكررة للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام عموماً إحدى أهم "معوقات" التواصل الإسلامي الغربي ، وأحد أهم الأسباب التي "تؤجج" نار الكراهية في نفوس الشعوب الإسلامية الممتدة في كل بقاع الأرض حتى تلك الجاليات المتواجدة في كل الدول الغربية ، وهذا يدعونا حقاً لإعادة النظر في كل دعوات التواصل والتقارب الحضاري وكذلك النظر إلى قضية "الحرية" وضوابطها ومشكلاتها خاصة فيما يتعلق بـ"مقدسات" الديانات الكبرى .

وحقيقة إن الغرب ليس كلاً واحداً في هذه القضية ، ولا يجب ادانته كاملاً فيما يتعلق بالفيلم المسيء الأخير أو بما سبقه ، ولذلك يجب وضع القضية في نطاقها الصحيح وفهم وضعية المجتمعات الغربية ونظمها السياسية وكيفية تعاملها مع هذه الأحداث وقبل ذلك دواعي بروز مثل هذه الإساءات وظروف تظافرها لكي نستطيع الخروج بعبر موضوعية تمكننا من التعامل "الصحيح" و "الحضاري" مع هذه الأزمة .

فالحرية الفكرية والعقدية والسياسية تشكل أهم مقومات تلك المجتمعات وتصبغها بشكلها الحضاري الذي تفتخر به الحضارة الغربية دائماً ، ولذلك فليس من المستغرب أبداً السماع عن ظواهر شاذة جداً في كل المجالات ، سواء على المستوى الإعلامي أو على المستوى السياسي أو على المستوى الفكري أو حتى على المستوى الجنسي ، والفيلم المسيء الأخير والذي أشرف على انتاجه مجموعة من أقباط المهجر بقيادة موريس صادق لا يخرج عن هذا النطاق ، إذ أنه استغلال لمبدأ الحرية الممنوحة في تلك المجتمعات ، والأمر لا يقتصر على الإسلام فقط بل يتعداه لكافة الديانات والمعتقدات ، ولربما كانت الأفلام المسيئة للمسيحية ولعيسى عليه السلام ولله ذاته أكثر من تلك المسيئة للإسلام ، حتى على مستوى الروايات فمثلاً نجد "شيفرة دافنشي" لمؤلفها دان براون أحدثت هزة في صفوف الطوائف المسيحية حتى وصل الأمر للفاتيكان وصدرت دعوات لمنع طبع الرواية ولكن الأمر قوبل بالرفض بل ووصل الأمر لإنتاج فيلم سينمائي احترافي عن الرواية حصد الكثير من جوائز الأوسكار .

والأمر ينطبق على الفيلم المسيء الأخير وأي دعوة لمنع عرض الفيلم ستقابل بالرفض وذلك نظراً لدعوات مشابهة ، ورغم أن الفيلم سيء الإخراج والتمثيل ، ولربما لو عرض بدون ضجة لما شاهده أحد ولا أظن الذوق السليم يتقبل هكذا مشاهد حتى ذلك الذوق الغربي المتعطش لأحدث الأفلام إحكاماً سواء على مستوى الإخراج أو التمثيل أو الإثارات التلفزيونية .

ولذلك الحل يكمن من خلال الضغط السياسي والقانوني الذي يجب أن تفرضه الجاليات الإسلامية والأنظمة العربية بالتعاون مع الجمعيات الحقوقية لإصدار قوانين تمنع المساس بالمقدسات والرموز الدينية ، أو على الأقل إخضاع تلك الروايات والأفلام لمقص الحقيقة ، فقد يعرض فريق ما فيلماً معيناً يتناول ديانة من الديانات أو شخصية من الشخصيات من وجهة نظره هو وهذا أمر لا يمكن منعه أبداً ، ولكن يجب أن يستند لأبسط بديهيات الحقيقة والروايات التاريخية من مصادرها الأكيدة ، بعيداً عن "التأليف" و "الكذب" و "التدليس" ، وفي حالة المقدرة على اصدار هذه القوانين فسنكون بذلك قد قطعنا الطريق من أوله على كل من تسول له نفسه المساس بأي مقدس ديني وخاصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

أما المظاهرات العفوية التي خرجت في أكثر من بلد عربي وإسلامي وترجمت لأعمال عنف خطيرة تمثلت في مقتل السفير الأمريكي وثلاثة موظفين في السفارة الأمريكية في ليبيا وكذلك المظاهرات واقتحام السفارة الأمريكية في مصر وتونس وانزال العلم الأمريكي وحرقه ، فيجب أن نفرق بين أحقية "المبدأ" والمتمثل في المظاهرات الغاضبة التي يجب أن تسمعها كل دول العالم ، وبين "العوارض" التي قد تلحق بهذا المبدأ مثل أعمال العنف والتي يجب ادانتها بكل قوة والتصدي لها بكل حزم .

 وحديث الكثيرين عن أن هذه المظاهرات تشوه صورة المسلمين تارة وتعطي قيمة وشهرة للفيلم المنتج تارة أخرى وتمتص طاقات الجماهير المسلمة تارة ثالثة فحديث فيه خطأ كبير ، ذلك أن صورة الإسلام نفسه مشوهة بشكل كبير في العالم الغربي إما بسبب نتاج تاريخ "دموي" بين العالم الإسلامي والعالم الغربي منذ أكثر من ألف سنة ، وإما بسبب الإعلام الغربي الذي يعمل على تشويه الإسلام والعالم الإسلامي والحركات الإسلامية والإعلام كما هو معلوم يشكل أهم المصادر في تشكيل "وعي" و "ثقافة" الشعوب الغربية ، بل إن ردة الفعل الشديدة على الإساءات المتكررة سيفتح الباب واسعاً أمام نخب المجتمعات الغربية للبحث حول جذور هذه المشكلة وفهمها جيداً وبالتأكيد أي محاولة حقيقية وجادة للوصول إلى الحقيقة هي في صالحنا أكثر مما هي في صالح "الأصوات المتطرفة" هنالك ، كما أن القول بأن المظاهرات ستعمل على شهرة "المغمورين" الذين يفتعلون هذه الإساءات ففيه إصابة للحقيقة في جوانب متعددة ، ولكن الحق أن الكثيرين تصدروا المشاهد بسبب "شذوذ" ما يقولون وما يطرحون ، ولو أن إعلامياً بسيطاً في أي بلد دعا لإبادة وطنه لسلطت عليه الأضواء وهذا يرجع للفطرة الإنسانية التي تهتم في كل شيء ، كما ان القانون والمبدأ لا يفرق بين "مغمور" و "مفكر" أو بين "جاهل" و "مثقف" بل ينطبق على الجميع .

والمظاهرات وحالات الغضب والانفعال الشديد يجب استغلالها جيداً وتوجيهها في الاتجاهات التي تفيد الأمة الإسلامية ، فالرد يجب أن يكون في اتجاهين كلٌ منهما يكمل الآخر ، اتجاه يتجه نحو شعوب العالم الإسلامي المتخلفة والتي تجهل أبسط مبادئ دينها واعادة تعريفها وتثقيفها بأمور دينها ، واتجاه ينطلق نحو العالم الغربي واعادة تبليغ الدين الإسلامي بشكله الحضاري والأخلاقي والإنساني لتلك المجتمعات ، فجانب الحرية الواسع هنالك يجب استغلاله جيداً ولقد ترجم هذا الأمر من خلال قيام جمعيات إسلامية بتوزيع الملايين من نسخ القرآن الكريم في بريطانيا والمانيا مع كتب تعريفية بالدين الإسلامي ، وهذا حقاً أجمل رد على تلك الإساءات ، لأن هذه الردود "الحضارية" تستغل حالة "الجهل" و "الاستغراب" الغربي بحجم الغضب على تلك الإساءات وتعطيه المواد التعريفية بالدين الإسلامي في الوقت المناسب ، حيث أنه وبدافع الفضول سيضطر لقراءة الإسلام من وجهة نظر أصحابه ومعتنقيه مما قد يساهم في تخفيف حدة "الكراهية" وكذلك "الجهل" المتجذر في نفوس وعقول تلك المجتمعات حول الإسلام .

أنا ميقن تماماً بان الاحتجاجات ستخمد وستنتهي بعد فترة من الزمن ربما لا تزيد عن أسبوعين أو ثلاثة ، ولكن آثار تلك التظاهرات والتحركات وما نتج عنها من قتل وأعمال عنف سيطرح أسئلة عميقة جداً داخل المجتمعات الغربية كمثل السؤال الذي أرق النخب الثقافية الأمريكية عشية أحداث سبتمبر "لماذا يكرهوننا" ، ولكن هذه المرة سيكون السؤال "لماذا يغضبون" ومسيرة البحث عن الإجابة من وجهة نظري ستكون نقطة ارتكاز مستقبلية في سياسة العالم الغربي حيال الشعوب الإسلامية وما يتعلق بمقدساتها ورموزها التاريخية والدينية .

هناك تعليقان (2):

  1. في الحقيقة أن الاختلاف بين الغرب الكافر و الإسلام ضارب في العمق وليس وليد الأمس ولا هو نتيجة الحملات المسيئة للرسول الكريم بقدر ما هي مرتبطة بظهور الرسالة المحمدية بحد ذاتها والتي قوبلت في بدايتها بالتكذيب والإنكار اللذان ما لبثا أن تحولا إلى حروب و قتال كلما زاد سطوع الحق واليقين , وقد لعب اليهود العرب في البداية ثم المستشرقون بعدهم دورا خطيرا في تشويه صورة الإسلام وطمس معالمه المشرقة ولا يزال هذا فعلهم إلى اليوم حتى أن بعض المقالات و الكتب تظنها خطت بسم لا بحبر,
    ولعلنا أخطئنا لما ظننا أن الهوة قد إنحسرت في وقت من الأوقات بيننا وبينهم وأننا على وشك إيجاد التركيبة الصحيحة التي تمكننا من جمع هذين العنصرين "المازوت و النار" دون أن يحدث الالتهاب , ولكن الحقيقة أن المازوت لم يكن مازوتا أتدري ماذا كان ؟ كان ماءا , نعم طيلة عقود كنا بردا و سلاما على هذه الأمم بالرغم من أن معاناة إخواننا لم تتوقف ومنهم الفلسطينيون , طيلة عقود ونحن مغيبون منقطعون عن جذورنا الإسلامية , و اليوم لما أفقنا من غفلتنا و أدركنا أن جسدنا ممتد من المحيط إلى المحيط إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى أحس الغرب بالهلع وعاد طيف محمد يؤرقهم وسقط القناع عنهم وكشف عن الوجه البشع و كلما زاد وعينا زادت الهوة بيننا و اتسعت و لا أرى ما كانوا يحذرون إلا واقعا ... بعز عزيز

    ردحذف
    الردود
    1. كلامك صحيح في الكثير من الجوانب يا رفيق، لكن يجب أن ننتبه لنقطة مهمة جداً وهي أن المجتمعات الأوروبية والغربية ليست كالسابق، وأن الفراغ الروحي التي تعاني منه هذه المجتمعات الآن والتحرر من سيطرة التعصب الديني المسيحي سيولد نوعاً من التسامح مع الإسلام فيما لو وصلت لهم هذه الصورة بشكل جيد وقد يصل الأمر للاقتناع التام أيضاً، حتى جيل المستشرقين الجديد يختلف عن الجيل القديم، معظم المستشرقين المنصفين للإسلام ولمحمد عليه الصلاة وأتم التسليم هم من الجيل الجديد، دخل الإسلام منذ نشأته قلوب الناس لمحاربته الظلم والطغيان وسيدخل قلوب الناس مستقبلاً لدخوله من باب اعمار القلب ومحاربة أدران المدنية المتوحشة التي نشرت الفساد الروحي والأخلاقي في المجتمعات .

      حذف