اللغة
التي يحبها هي السلاح فقط ، هو يقرأ كثيراً عن نظريات السياسة ومناوراتها وقيمتها
في الحروب وحسم المعارك ، لكنه يصر دائماً على أن ذلك كله يأتي بعد أن ينطق السلاح
كلمته ، فالسلاح هو آلة القوة ومفتاح الحسم وظهير الضعيف ، ويعتبر أن السياسة
مفسدة لا لشيء إلا لأن بعض "الفُسَّاد" في هذا الوطن قد امتطوها لتبرير
أي خيانة يرتكبونها في حق القضية .
فكيف
سيكون الوضع بدون سلاح ؟ وبدون مقاومة ؟ وبدون انتفاضة ؟ وبدون ثورة ؟ بالتأكيد
سيكون أسوء بكثير مما هو عليه الآن ، فيكفي أن تدرك إسرائيل أن ثمن أي مجزرة
إسرائيلية هو تفجير باص في تل أبيب أو مقهى في حيفا أو مطعم في نتانيا أو أن يهرب
مليون ونصف المليون إسرائيلي للملاجئ عندما يتهور جنرالات الجيش ويصعدون ضد القطاع
، كل هذه "الردات" تكفي لتردع إسرائيل حيناً من الزمن أو على الأقل
تجعلها تدفع الثمن دائماً .
هذا
هو حال ذلك الشخص المتكرر دائماً والموجود في كل مكان في قطاع غزة ، ينتشر ليلاً
ونهاراً ويحرس الحدود والثغور على مدار الساعة ، كم هي طموحاته البعيدة والتي تبدأ
بالنجاح الشخصي والمجتمعي ولا تنتهي إلا بتحرير فلسطين كلها ، أحلام الزواج
والنجاح والحب وكذلك الشهادة كلها تجتمع في قلبه ووجدانه ، وهناك القرآن والمسجد
وحلقات الذكر والتسبيح وقيام الليل وزكاء النفس والتفاني في الجهاد ، كلها معالم
ترسم شخصيته الجميلة المنتشرة .
حياة
صاخبة جداً ومليئة بالأحداث المتلاحقة عليه ، تعب الحياة ولقمة العيش وكذلك تعب
الدراسة وألم فراق الأحبة الذي يقهر القلوب ويحطم أركانها ، لكن هو يؤكد أن أكثر
الناس فخراً هم أصدقاء الشهيد ، فيكثر من تذكر تلك الذكريات الحبيبة ، يبكي
أحياناً ويصمم على الثأر أحياناً أخرى ، تشكل معالم وجهه خليط من الأمل واليأس والفرح
والحزن والبكاء والضحك ، كلها أشياء لا يفهمها في كثير من الأحيان فيتجاوزها دون
فهم ملقياً مهمة "الفهم" على الأيام القادمة التي تحمل معها المزيد من
كل شيء .
ثم
تكون الخاتمة المتوقعة والمملة ولكنها الأجمل بالنسبة إليه ، إنها الشهادة في كل
ميادينها وبكل ألوانها ومعانيها ، الشهادة بالصاروخ أو بالطلقة أو بالمواجهة
المباشرة ، فيواجه بشجاعة منقطعة النظير ويضرب بقوة ويثخن الجراح ويناور حتى الرمق
الأخير ، وأخيراً يسقط ، لا بل يرتقي ، ذلك أن الشهداء لا يسقطون أبداً هم يرتقون
إلى الجنان عالياً ، يتمدد على الأرض المقدسة ، يجتمع الطهر والقداسة مع بعضهما
البعض فينثر الدم كمسك الجراح يعبق الأرض رائحة وجمالاً ، يرحل هو ويبقى دمه على
السلاح الذي كان رفيقه الأحب ، يبقى الدم شاهداً على أن هنالك من حمل السلاح يوماً
وقاتل فيه بكل قوة ، ليذكر الجبناء أن هنالك من رفض "الجبن" و
"الذل" و "الهوان" وانتفض بكل جوارحه وأركانه ليثأر ويقاوم
ويحرر ويجاهد ، ومهما تكن النتيجة سيبقى البطل والفارس الأجمل والمعشوق والعاشق
... ويبقى الدم على السلاح ليؤكد لنا جميعاً أنه كان هناك يوماً بطل وسيبقى في كل
وقت بطل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق