طرح فكرة
الخلاف السني الشيعي في هذه الظروف المعقدة التي تمر بها الأمة الإسلامية وفي ظل
هذا الشحن المذهبي الواسع والذي يستند لوقائع دموية تاريخية وحاضرة الآن تتمثل في
مذابح العراق والمواقف الطائفية من كلٍ من ثورة سوريا وثورة البحرية ربما تعد
ترفاً فكرياً لا معنى له دون اخضاعه للواقع الموجود حالياً ، ولكن الحقيقة أن
الأمر عكس ذلك كله ، فالأصل عند البحث عن "الحلول" لابد من العودة
"للجذور" والتي يسلط التاريخ الضوء عليها جيداً ، فعلاج الأسباب يكون
بمعرفة المسببات جيداً وفهمها بشكل موضوعي بعيداً عن التحيزات والأحكام المسبقة .
ذلك أن
التكلفة الباهظة جداً والاستنزاف المستمر على أعلى المستويات الذي فرضه هذا
التطاحن عدا عن حالة "التشرذم" و "التفتت" و
"التمزق" المذهبي التي ستقود تلقائياً لتمزق جغرافي ودولي وإقليمي يجب
وضع حد لها في ظل الواقع الجديد ، فكل الأمم تسعى حالياً للتكتل والاصطفاف
الاقتصادي والجغرافي والسياسي والعسكري لحل الكثير من المشكلات الانسانية وفق
قاعدة "المصلحة المشتركة" متجاوزين تواريخ دموية بين بعضهم البعض ، والحري
بنا أصحاب "الحضارة" الواحدة و"التاريخ" المشترك أن نكون أول
المبادرين لنسيان مآسي الماضي وتجاوز عتبات الحاضر وتشكيل معالم المستقبل وفق أسس
ومصالح مشتركة .
فظهور
التشيع لم يكن ذو أهداف "خبيثة" كما يصور البعض ، كما أن فكرة التشيع
أيضاً لم تكن فكرة مشؤومة بل ربما ستكون نتاج طبيعي جداً في ظل المكانة التي كان
يتمتع بها آل البيت عليهم السلام في قلوب المسلمين سابقاً وحالياً ، فملامح التشيع
بدأت تظهر جلياً وتكتسب "المصداقية" و "التأثير" بعد استشهاد
الحسين رضي الله عنه وتعذيب واضطهاد آل البيت على يد الخلافات المتعاقبة
"الأموية والعباسية" ، ولذلك لم تقتصر فكرة التشيع على الشيعة وفق
المفهوم المذهبي للكلمة بل كان من ضمن المتشيعين صحابة وعلماء وقيادات مجتمعية
محسوبة على أهل السنة ، فلم يكن للتشيع في صدر الإسلام الأول بعداً مذهبياً بقدر
ما كان يشكل بعداً ثورياً بين فئة "المظلومين" وفئة
"الظالمين" ولذلك رفعت مطالب آل البيت عالياً في أكثر من ثورة كادت أن
تجتث الدولة الأموية من جذورها مثل ثورة المختار وثورة ابن الأشعث وثورة النفس
الزكية وكل ثورة كان من ضمنها الكثير من الصحابة وأبناء الصحابة مثل أنس بن مالك
ونصر بن صلد الخزاعي الذي قاد ثورة التوابين وعبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة في
ثورة أهل المدينة وكبار العلماء والفقهاء مثل سعيد بن جبير والشعبي وابن أبي ليلى
وأبو حنيفة وكبار آل بيت النبي مثل زيد بن علي وكذلك ابنه يحيى وعبد الله بن
الحسين المعروف بالنفس الزكية ، وهكذا لم تكن فكرة التشيع أنذاك تأخذ بعداً
مذهبياً بقدر ما كانت ذا نفس ثوري ضد الظلم الذي أفشاه بني أمية ، حتى أهل البيت
حرصوا على ذلك فرفضوا مهاجمة الشيخين "أبو بكر وعمر" وتبرأو من أي
محاولة لذلك .
ويمكن
القول بأن "النفس المذهبي" بدأ يشكل نفسه عند كل طرف وخاصة المذهب
الشيعي في النصف الثاني من الخلافة العباسية وتأكد تماماً في عهد الدولة البويهية
والصفوية ، فالدولة الصفوية حاولت التميز عن الدولة العثمانية السنية بقدر الإمكان
كما أنها بالغت في تطرفها فأعلنت سب عمر وأبو بكر في مساجدها واحتفالاتها مما زاد
من عملية الاحتقان المذهبي ، وهكذا نجد أن المدخل الرئيسي لعملية الاحتقان الطائفي
كان من باب "السياسة" والخلافات السياسية بين الأطراف المتصارعة ، فحاول
كل طرف تجيير العقيدة والمذهب لصالحه وخاصة عند الصفويين ، تطرف قابله تطرف مضاد
تمثل فيما يسميه الشنقيطي "التشيع الأموي" والذي كان ينظر لأمثال هؤلاء
في الصدور الأولى كـ "نواصب" وهذا تمثل في تنزيه معاوية ووالده
وغض الطرف عن الفتنة بين الحق والباطل التي تمثلت في الصراع بين علي ومعاوية
وجعلها وكأنها خلاف "بسيط" في الاجتهادات لا أكثر ، بل إن بعض العلماء
حاول ان ينزه يزيد والحجاج عما لحق بهما من "كوارث" و "مخازي"
وأن يبرأهما مما ارتكباه من جرائم أو أن يوجد مبرراً لذلك ، فابن عربي في العواصم
من القواصم وجه نقده الخفي للحسين بن علي على خروجه ضد ظلم يزيد واغتصابه للخلافة
قسراً قائلاً بان الحسين "قتل بشرع جده" ، كل ذلك "التطرف" و
"التطرف المضاد" بدأ يزداد يوماً بعد يوم ، متخذاً لبوساً سياسياً تارة
"السعودية وايران" وعرقياً تارة أخرى "الفرس والعرب" وطائفياً
تارة ثالثة كما هو الحال في الوضع العراقي .
هذا
الصراع التاريخي المرير لا يمكن أن يكون معزولاً عن "سطوة" السياسة
وتأثيرها في تأجيج هذا الصراع ، وطالما كانت الأطراف السياسية متفقة قلما قل
الحديث عن هذه الخلافات ، فالتاريخ الإسلامي لا يخلو من فترات تعايش بها أبناء
المذاهب المختلفة مع بعضهم البعض وشاركوا بجانب بعضهم البعض في صد الحروب والدفاع
عن الدولة الإسلامية ، ولكن الذي تسعى الأطراف المختلفة على إظهاره هو عكس ذلك مثل
خيانة ابن العلقمي وربط خيانته بالشيعة أو ما حصل بحق آل البيت من مظالم وربطها
بالسنة ، وهكذا يبدوا واضحاً تأثير "السياسة" والتي تحاول استغلال
"ارث" التاريخ الماضي في تأجيج عقد الصراع وتطويرها أكثر فأكثر .
ونحن على ذلك كله ندرك كل الإدراك أن لا حل سوى التعايش السلمي فلن يغير الشيعي مذهبه ليترضى على معا وية و لن يقبل أن الإسلام قسم بين أربعة تلاميذ لن يذكر معلمهم ...
ردحذف