الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

"تجديد الدين" بين أهمية الهدف ومشاكل الواقع .




تطرح قضية التجديد على نطاق واسع جداً في مباحث الفكر والعمل الإسلامي ، ذلك أن التجديد هو ضرورة حضارية لازمة لبناء النهضة وتأسيس العقل والانطلاق في رحاب الحضارة الانسانية ، وخاصة أن "الدين" في واقعنا وتاريخنا ومستقبلنا أيضاً ليس شيئاً ثانوياً يمكن تجاوزه أو طرح أي مشروع نهضوي بدونه ، إنما الدين في المشرق هو "أساس" من أساسات الحياة والمكون الحقيقي لهوية الأمة وتاريخها ، وكان اللاعب الأبرز في كل الأحداث التي تعرضت لها سابقاً وحالياً ، وأي مشروع نهضوي وحضاري يجب أن تكون ركيزته الأساسية هي الدين الإسلامي أولاً وأخيراً .

لكن قضية "التجديد" هي الأخرى لم تسلم من "التشويه" ومن "الخلط" عند الكثير من التيارات الإسلامية وغير الإسلامية ، كما أن "التجديد" نفسه وإن كان حاضراً بقوة في خطاب كل الحركات الإسلامية إلا أن النظرة له تختلف من حركة لحركة ومن تيار لتيار ، فالتجديد مبني أساساً على فقه "الاجتهاد" وبدون هذا المطلب لن يكون هناك تجديد أساساً ، وكلاً من "التجديد" و "الاجتهاد" مكملان لبعضهما البعض وزوال أحدهما يعني زوال الآخر ، و "الاجتهاد" نفسه يعاني من مشكلة التجديد أيضاً سواء من حيث التشويه أو اختلاف النظر ، فهناك تيارات إسلامية تضع ضوابط كثيرة جداً عليه حتى تخرجه من مضمونه ، ويصبح الاجتهاد مرتكزاً فقط على أقوال السابقين واسقاطها على الوقائع المتجددة ، هذا أدى لتكبيل الاجتهاد مما يقود بالضرورة لإعاقة عملية التجديد الطبيعية ، فمحاربة "الاجتهادات" لدى كثير من المجددين والإصلاحيين تعني وجود "أزمة" حقيقية عند هذه التيارات تتمثل في كيفية "الفهم" الحقيقي للدين الإسلامي ، فإذا كان فهم الدين مشوهاً لهذه الدرجة عند هؤلاء فكيف هو الحال عند العامة وممن يحملون مواقف عدائية من الدين مثل "العلمانيين" و "الليبراليين" ؟ 

كما أن النظرة للتجديد تختلف من تيار لتيار ، فعند البعض تجديد الدين مرتكز على إحياء العبادات ودعوات الوعظ والارشاد ، بينما عند البعض الآخر يتمثل في احياء فقه "الجهاد" بينما عند البعض الاخر فإن التجديد يرتكز على "الفقه السياسي الشرعي" ، وهذا وإن كان محقاً في جانب من جوانب التجديد إلا أنه لا يقدم تصور متكامل عن التجديد والذي هو ثمرة "الاجتهاد" المستمر ، فالتجديد يشمل كل مباحث الدين الإسلامي واسقاطها على الواقع ، كما أن نظرة التيار "العلماني" هي الأخرى مشوهة تماماً ، حيث أنهم ينظرون للتجديد على أنه "إحلال" لثقافة محل ثقافة الأخرى ، و "طي" صفحة الفقه الشرعي الإسلامي بكامله ، واختراع فقه يستند لمفاهيم العصر وفق المفهوم والحضارة الغربية طبعاً وهذا خطأ .

إذ أن حركة التجديد "الحضاري" تتصل بثلاثة جوانب وهي جانب "الفهم" وجانب "التبليغ" وجانب "العمل" ، بينما تجديد "النصوص" توقف بعد أن أصبحت الرسالة المحمدية هي آخر الرسائل النبوية ، فالقرآن يقول " ولكلٍ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجا" وهذا القول ينطبق على دعوات الأنبياء السابقين والذين كانوا يبعثون كل فترة فيجددون الدين ونصوصه ، بينما الأمر مختلف مع الإسلام ، ذلك أن نصوصه "خالدة" والتجديد يكون بإعادة فهمها لتناسب روح العصر واعادة تبليغها أيضاً واعادة العمل بها ، أو بمعنى آخر عبر عنه الشيخ عبد الله يوسف "وهو إعادة تأصيل للمسلمات بأفق أوسع، ونظرة أكثر عمقاً، وأكثر شمولية"

إذاً مشكلات التجديد تكمن في ثلاثة عوامل رئيسية وهي :
أولاً : محاربة الاجتهاد والتجيير عليه ووضع الشروط المتكلفة عليه لإفراغه من مضمونه ، مما يؤدي لإعاقة عملية التجديد الطبيعية ، فالتجديد كما أسلفت هو ثمرة الاجتهاد ونتيجة حتمية له ، وبالنظر لكمية المحاربة الفكرية والعقدية لكثير من المجددين التاريخيين كأبو حنيفة وابن حزم وابن رشد والشافعي وابن تيمية أو المعاصرين كمحمد عبده والأفغاني وحسن البنا وفريد وجدي والقرضاوي وعدنان ابراهيم .
ثانياً : تحريف "مقصد" الاجتهاد وتشويه رسالته ، وهذا يكمن في الفهم "الافراطي" لقضية التجديد والفهم "التفريطي" ، أو بين الفهم "الجزئي" والفهم "المشوه" ، وهذا موجود عند الكثير من التيارات السلفية والعلمانية .
ثالثاً : ضعف الخطاب "التجديدي" الإسلامي عموماً ، والذي يتمحور في قوته وعظمته في مجال "التنظير" دونما العمل الجاد على بعث هذه النظريات لحيز التطبيق ، بينما تلك التي لم يكتمل التصور التجديدي الكامل لديها أو وجد ولكن بشكل ناقص قد حكمت وفشلت في تجاربها كأفغانستان أو السودان أو ايران أو الصومال أخيراً .

من خلال ما سبق يتبين لنا تماماً أهمية تجديد الدين لأنها تعبير جليٌ تماماً عن مدى "حركيته" و "تفاعله" الحضاري والفكري ، ومقدرته على الخروج من "الانحطاط" و "التخلف" إلى "الابداع" و "التحضر" ، وكذلك المشكلات التي تواجه قضية "التجديد" في واقعنا المعاصر التي تتنوع بين المحاربة تارة وانحراف الأهداف تارة أخرى وبين تشويه المقاصد تارة ثالثة ، وأنا لا أبالغ إذ قلت أن رسالة الأمم المتلاحقة في التاريخ الإسلامي هي في "التجديد" أولاً وأخيراً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق