حالة
الهذيان المذهبي المتبادل التي فرضتها مرجعيات شيعية متطرفة مقابل أنظمة سنية
متواطئة أدت لخلط كبير جداً في المفاهيم وتشويه كبير لقيمة "الانسان" في
حالة الصراع ، وكذلك تسخير كل شيء في حمية هذا الخلاف بدءً من "التاريخ"
ومروراً بـ"المذهب" وتعريجاً على "السياسة" وليس انتهاءً
باللعب على وتر "العرق" والذي من الممكن أن يكون آخر الأشياء التي ينظر
إليها الإسلام في حكمه على الأشياء وفي نظرته للآخر المختلف من باب "لا فضل
لعربي على أعجمي إلا بالتقوى" .
ولا أدل
على ذلك نسب فكرة "التشيع" للعرق الفارسي –مع أن الدلائل التاريخية تشير
إلا أن نواة التشيع كان عربياً- كما ان جذور الصفويين هي جذور تركية لا فارسية ،
ومع أن العرق الفارسي كان من أكثر الأعراق تأثيراً في الحضارة الإسلامية والعلماء
الفرس كانوا أكثر العلماء إسهاماً حتى في المذهب السني فأبو حنيفة وكذلك البخاري
ومسلم وطائفة كبيرة من العلماء هم فرس حقيقة ، ووضع العرق في حمية الصراع يعني
إخراج عرق مؤثر وذو تاريخ ممتد من تشكيلة الأمة الإسلامية وابعاده عن حدودها في
أكثر مظاهر "الانحطاط" التاريخي تجلياً .
تعمقت
مكانة "الخلاف العرقي" كثيراً بعد الحرب العراقية الايرانية ، حيث حاول
النظام العراقي إظهار الأمر وكأنه صراع بين "العرب" و "الفرس"
وذلك نظراً لخلفية حزب البعث القومية والتي تزن الأمور من منظور قومي بحت ، ونظراً
لحجم الدعاية الرهيبة التي بذلها النظام العراقي بمعاونة الدول الخليجية فإن هذه
النظرة تعمقت كثيراً في الأذهان وفي الحقيقة أنها آخر ما يمكن أن تعبر عن حقيقة
"الخلاف" بين الطرفين ، ولكن كما قلت في موضوع سابق إنها السياسة التي
تستغل كل شيء من أجل مصالحها .
واضافة
للتباين العرقي حيث أن القوة الشيعية الأكثر تأثيراً هي قوة فارسية ، يبرز تحدٍ
جديد ومأزق كبير أدى لزيادة التمزق ، وهو تداخل التطلعات المذهبية ، والتي يعكس كل
منها بعداً مذهبياً عميقاً وخاصة عند المذهب الشيعي ، فتطلعات السنة الحقيقية
تتمثل في إقامة دول وكيانات قوية تكون نواة لإحياء الخلافة الإسلامية ، أي أنها
كيانات ذاتية مستقلة تعتمد على نفسها في معركة الحضارة مع الغرب ، بينما تطلعات
الشيعة في نهاية القرن العشرين تطلعت إحياء ولاية الفقيه والعمل على الترابط
العضوي مع ايران والتمازج مع ثورتها الإسلامية في وسط سني كبير جداً ويشكل غالبية
المنطقة ، مما يعني "اقتيات" على دور السنة وتعدي صارخ على
"التطلعات" الجماهيرية السنية الواسعة وهذا كان واضحاً في محاولة الثورة
الشيعية في العراق وكذلك في السعودية ، كذلك مخالفة أبسط المبادئ القومية والوطنية
المتعارف عليها مثل عدم التحالف مع العدو ضد الوطن والمشاركة في إحتلال الوطن
لتحقيق أهداف طائفية ضيقة مثل مشاركة المرجعيات الشيعية في الاحتلال الأمريكي
للعراق وكذلك التحالف الخليجي الرهيب مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد ايران ،
مما يعكس تلاعب الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة بكلا الطرفين وعزفها على هذا
الوتر الحساس جيداً .
وتعارض
"التطلعات" وحالة "الرهاب" المتبادل فرضت نفسها حتى في
الثورات العربية ذات الأهداف العادلة ، فالشيعة مصطفين تقريباً ضد الثورة السورية
وكذلك الكثير من السنة مصطفين ضد الثورة البحرينية ، وقبل ذلك كانت النظرة مختلفة
حتى لوثبات عادلة جداً مثل وثبة المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي والتي وقفت
ضدها المرجعيات الشيعية وشوهتها تماماً وكذلك الحال مع مقاومة حزب الله في حرب
تموز والتي سعت بعض الأطراف السنية لإلقاء اللوم على حزب الله في هذه الحرب وتصوير
الحزب على أنه ذراع ايراني يعمل على تحقيق الأهداف الايرانية في المنطقة ، وهذا
وإن كان صحيحاً من جانب إلا أن طرحه في فترة الحرب الإسرائيلية ضد لبنان لم يكن
صوابياً أبداً بقدر ما كان مظهراً مخزياً تماماً .
وهكذا
يظهر جلياً أيضاً مدى تعقيد الخلاف الذي طال كل شيء تقريباً ، طال التاريخ والمذهب
والعرق والأهداف والمبادئ وكل شيء تقريباً .
"فتطلعات السنة الحقيقية تتمثل في إقامة دول وكيانات قوية تكون نواة لإحياء الخلافة الإسلامية" إن هذا التطلع أو الهدف لم يتبلور إلا منذ فترة قريبة جدافي بعض الدول التي تنشط فيها الجماعات الإسلامية ولاأظن الفكرة على هذا القدر من النضج لدي جميع الشعوب الإسلامية,
ردحذفعلى العكس تماماً، ربما لم يظهر هذا التطلع بسبب سيطرة القوميين والعلمانيين على مسار الأحداث بعد سقوط الخلافة، لكن سقوط الخلافة شكل صدمة قوية جداً للمجتمعات الإسلامية وكانت دافعاً لتشكيل أكبر الجماعات الإسلامية وهي الإخوان المسلمين الآن، لاحظ أن الخلافة الإسلامية تحظى باحترام المجتمعات الإسلامية بشكل كبير جداً .
حذف