الجمعة، 8 مارس 2013

اللحظات الأخيرة





شريط الحياة المصور الذي يمر في لحظات معدودات أمام عيني شاب مُحزَّم بالمتفجرات ما زال لحد هذه اللحظة يشغل بالي كشخص يدرك قيمة الحياة بكل معانيها وأجزاءها، ولا تزال تلك النبضة القلبية المتوقدة التي تدفع إبهام اليد اليمنى للضغط على "كبسة" التفجير أمراً محيراً يعجز عن وصفه العارفون بأحوال الرجال .

ليس من السهل على الإنسان أن يتخذ قراراً بسيطاً يترتب عليه بعض النتائج ذات الأثر المحدود، ذلك أن القدرة على إتخاذ القرارات تحتاج لنفسيات خاصة وقوية لديها القدرة على تحمل التبعات والنتائج، وعليه فإن القرارات التي يترتب عليها إنهاء الحياة بشكل إرادي لتحقيق أهداف سامية تحتاج لطراز فريد من النفسيات المعدة جيداً لأعلى مراتب الشهادة، ولذلك ليس من المستغرب أن يمر خبر مقتل عشرة أو عشرين أو ثلاثين شخصاً بشكل عابر ودون أن يثير أي أهمية في عصر هبطت فيه قيمة الإنسان المظلوم لأسفل الدركات الدنيا، لكن يكفي أن يتخذ شاب قراراً إرادياً بالموت بعد أن يردي عدة من أفراد العدو هلكى لكي تتبارى وسائل الإعلام لتغطية الخبر، فأنت أمام مشهد فريد من مشاهد العظمة الإنسانية التي لا تتكرر كثيراً .

لقد وصف الله عزوجل المجاهدين بالرجال في كتابه الحكيم وكافأ الشهداء دوناً عن غيرهم بالحياة الأبدية السرمدية بجواره إلى يوم يبعثون، وجعل لهم في قلوب الناس مكانة ومحبة، كل ذلك لعلة ظاهرة وأخرى باطنة لا يعلمها إلا هو، فأما الظاهرة فلكون  قرار الشهادة يحتاج لصنف خاص من المُخلَصين الأتقياء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولأن اقتحام طريق ذات الشوكة ليس بالأمر السهل المحبب للنفوس، فالشهادة هي أوضح درجات الاصطفاء .

لقد رأيت ذلك الوميض المشرق في العيون الراحلة، تلك النظرات التي تخترق الأفق البعيد تحلق في السماء اللا محدودة، لاحظت تقاسيم الوجوه المشرقة وبوصلة العيون والشفاه، كل تلك الأشياء ما زلت استنبطها من عبرات الاستشهاديين والشهداء، ما زلت أقتفي أثرها، إنك تنظر للوهلة الأولى ثم تتذكر أن هؤلاء قد اتخذوا قراراً بالموت .. بعدم الرجعة .. بترك كل شيء .. فتعجز عن التفكير ثم تستدرك نفسك برهة حتى تهتز أرجاؤك لصوت جميل يُبعث من داخلك مردداً "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق