في الوعي
الإسرائيلي التاريخي ليس هنالك أسوء من قراءة حدثين مهمين في التاريخ الإسلامي
وكلاهما يشكل رافداً مهماً وعنصراً أساساً في النفسية الجهادية الإسلامية المتعطشة
لمواجهة الدولة الإسرائيلية وهما جلاء خيبر بعد الفتك بهم في بني قريظة ومعركة
حطين التي شكلت منعطفاً أساسياً في مواجهة الحروب الصليبية ورد عاديتها وتحرير
باقي الديار الإسلامية من الممالك الصليبية الاستيطانية .
فخيبر في
الوعي الإسلامي تشكل القدوة الحقيقية في نظرة المسلمين للدولة الإسرائيلية الآن،
وتبعث في الوجدان الجمعي ضرورة تطهير فلسطين وإخراج بني إسرائيل منها كما فعل
النبي صلى الله عليه وسلم معهم سابقاً في جزيرة العرب، لذلك كان الرد العربي تجاه
الشعار الإسرائيلي الذي كان متداولاً جداً في الأوساط اليهودية "محمد مات
وخلف بنات" هو "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" وعندما انطلق
هذا الشعار في الانتفاضة الأولى من قبل شباب التيار الإسلامي أنذاك تسبب في زلزال
فكري وثقافي في الأوساط الفكرية الإسرائيلية كحال ذلك الجدل الذي أطلقته مقولة نصر
الله عقب تحرير الجنوب اللبناني "إن إسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت"
.
أما حطين
فهي تحتل مكانة تاريخية عظيمة ومهمة في التاريخ الإسلامي وتشكل حدثاً إلهامياً
يضيف رصيداً معنوياً هائلاً في النفسية العربية الجمعية، فتشابه الأوضاع العربية
الحالية مع الأوضاع التي سبقت معركة حطين فضلاً عن الظروف التي رافقت المعركة من
توحد أكبر دولتين في المنطقة "الشام ومصر" ووجود القائد النموذجي
"صلاح الدين" وسريان الروح الجهادية مرة واحدة ومردودها الإيجابي على
سير المعركة والأهم هو طريقة التعامل مع أي استيطان خارجي وكيفية مواجهته وكذلك
مصيره، كل ذلك يؤدي بأي قراءة موضوعية للتاريخ وخاصة فترة الحروب الصليبيين أن
يتعظ جيداً من مصير الاستيطان الصليبي، هذا الدرس الذي وعاه جيداً الجنرال
الإسرائيلي شلومو باوم مبدي قلقه في تصريح قبل شهور للصحافة الإسرائيلية قائلاً :
"أزعجتني
قدرة صلاح الدين على بعث نهضة العرب من جديد وتنظيم صفوف قواته بعكس المنطق الذي تمليه
موازين القوى العسكرية، حيث كانت أوضاع المسلمين قبل معركة حطين تشبه من حيث موازين
القوى أوضاع العرب حاليا ،ودويلاتهم كانت تقوم بدور كلب حراسة للصليبين"
لذلك ومن
خلال هذين الدرسين المهمين يمكن دراسة الموقف الإسرائيلي وطبيعة نفسيته ومخاوفه
منا كعرب نحيط به من كل الاتجاهات ونرضع أولادنا كرهه وضرورة الثأر منه واسترداد
فلسطين التي ترسخت في العقل الجمعي العربي كقضية مركزية تهم العرب والمسلمين
جميعاً وتأخذ عدا عن البعد الإسلامي لها بعداً إنسانياً وثورياً عالمياً .
وعليه
يمكن فهم التخوف الإسرائيلي من كل الثورات العربية، وخاصة الثورة المصرية والسورية
واللاتي أصبحن يشكلن هوساً كبيراً لديه طوال الوقت، فعدا عن الخوف من توحد هذين
البلدين كما حصل في عهد جمال عبد الناصر فإن الخوف من تغير النفسية العربية بعد
استرداد الروح المعنوية نتيجة صمود المقاومة الفلسطينية واللبنانية وتوجيهها ضربات
مؤلمة وقاسية للدولة الإسرائيلية يشكل أحد أبرز محطات الخوف الإسرائيلية في هذه
الأوقات .
فالثورة
السورية مثلاً وبعد ثلاثة سنوات من عنفوانها أودت بحياة ستين ألف شهيد ومئات
الالاف من الجرحى والملايين من اللاجئين عدا عن حجم الدمار الهائل في ربوع الدولة
كذلك الحال مع المد الثوري الجهادي الذي اجتاح أوساط الشباب السوري وتسابق الشباب
العربي للجهاد في سوريا كذلك ذلك أوجد شعباً صابراً ومرابطاً وشباباً مقاتلاً
وثورياً حتى الرمق الأخير، ليدخل شعب عربي -هو الشعب الوحيد الذي لم يوقع نظامه
اتفاقية سلام مع اسرائيل- كامل تجربة جهادية وثورية ستشكل إضافة معنوية هائلة
لرصيده التاريخي الثوري، فقيم الثورة والشهادة والاستشهاد والجهاد ومواجهة الظلم والطغيان
تشكل ركائز أساسية في النفسية السورية بعد الثورة، هذه التجربة ستؤهل هذا الشعب
مستقبلاً لتحمل أي حرب تحررية، وستعطيه دفعة هامة لتحرير الجولان من الكيان
الإسرائيلي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق