دائماً
ما تكون الدروس التاريخية جزءً من منظومات القيم الاجتماعية والأخلاقية لأي جماعة
أو أمة تعيش على نسق من المبادئ والأفكار والعقائد المختلفة، حيث يشكل التاريخ
الجانب التطبيقي الأهم لأفكار وأحلام الأمم الانسانية، ومعظم المذاهب والتيارات
الدينية والاجتماعية والفكرية والأخلاقية نشأت وقامت على أحداث تاريخية مفصلية
أثرت بشكل كبير على فهمها وأدبياتها .
وهذا
يعني أن استمداد أي جماعة لأدبياتها ومبادئها من بعض الأحداث التاريخي المفصلية يلزمها
الوفاء الكامل لتلك المبادئ والقيم، وفي حالة النكوص ومخالفة هذه المبادئ في حدث
تاريخي آخر شابه للحدث المنشئ للجماعة سيؤدي لخلخة كبيرة في مشروعية هذه الجماعة
ومصداقيتها مما يؤدي في النهاية المطاف لإندثارها في أسوء الأحوال وفي أحسنها إلى
تقليص نفوذها وسحرها المستمد من الالتزام بتلك المبادئ .
وتشكل
الثورة الحسينية ضد يزيد بن معاوية في صدر التاريخ الإسلامي أحد أهم أحداث التاريخ
الإسلامي وأكثرها مفصلية لدى الكثير من المذاهب الإسلامية، حيث كانت نقطة فاصلة في
فكر المذهب الشيعي مثلاً وكياً للوعي السني حول فكرة الشورى القرآنية مقابل فكرة
التوريث الملكي، كما أنها تشكل إلهاماً تاريخياً إنسانياً لكثير من المؤرخين
والمفكرين ولشريحة عريضة جداً من المسلمين في كل ربوع الأرض بسبب ما تحويه من عبر
سطرها آخر حفيد لآخر نبي على وجه هذه البسيطة .
وهذا
يلزم أي شخص أو تيار يتخذ من الحسين عليه السلام نموذجاً حياً وعبرة تاريخية كبرى
ضرورة الوفاء لمبادئه ولمبادئ ثورته وأولها مشروعية الثورة ضد الظلم وتأييدها بكل
الوسائل والسبل وبذل الدماء والأرواح والأموال في سبيل ذلك، تلزمنا ثورة الحسين
تأييد المظلومين والمستضعفين في كل مكان وكره وبغض الطغاة والمجرمين في أي وقت
وحين مهما تعددت وتنوعت مشاربهم ومللهم ونحلهم وألوانهم .
فكيف
يؤمن البعض بشرعية ثورة الحسين عليه السلام ويلعنون يزيد ليل نهار ويتهجمون على
والده بسبب ما ابتدعه من بدعة التوريث وفي نفس الوقت يهاجمون الثورة السورية بكل
حدة ويمدحون بشار ويثنون عليه وعلى والده وما فعلوه وأضافوه للأمة في سبيل مواجهة
النفوذ الإسرائيلي في المنطقة ؟
وهل مدح
بشار وتأييد نظامه يندرج تحت بند الوفاء لآل البيت عليهم السلام وضرورة تقفي
منهجهم وآثرهم وتاريخهم المليء بالثورات والوقوف بجانب المستضعفين ومهاجمة
المستبدين والطغاة في معظم فترات التاريخ الإسلامي ؟
حقيقة
يجب أن يراجع الإنسان نفسه وأن يجري مسحاً دورياً لكل مبادئه التي يؤمن بها وأن
يسقطها على أرض الواقع، أن يسقطها على تعاملاته وتحالفاته واستراتيجياته وأهدافه
وأن يسدد ويقارب بينها وبين واقعه الموجود، وفي حالة اتسعت الفجوة بين ما يؤمن به
وبين ما يفعله وتناقضت أحياناً عليه أن يدرك أن هذه الآية دليل على قرب النهاية
وضياع القيمة والمكانة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق