البطولة لا تجيء هكذا، لا تُولد بدون وجع قسري، لا تأتي صدفة وبدون أي مقدمات، بل تُصنع بدماء طلابها، بجهدهم .. بتضحياتهم .. باللأواء التي يكابدونها في الطريق، هكذا أعرف البطولة وأعرف شبابها وفتيانها .
قد يكون
هناك الكثير ممن هم أبطالٌ حقاً ولكننا لا نعلم عنهم شيئاً، هذا ليس مهماً، لأن
المعرفة هنا لا تدل على شيء بقدر ما تدل على خيبتنا نحن، البعض بل وربما الكثير
يستنفرون كل ذرة من أجسادهم في البحث عن رصاصة، في توفير القنبلة، قد يقتلون في اجتياح
.. عملية .. اغتيال .. ثم يقبعون هناك في مربع النسيان، لكن يكفي أن يحيوا
"العبرة" التي نستخلصها بسهولة من بطولة لم نعرف بطلها يوماً، أو ربما
عرفنا واحداً ونسينا العشرات ممن يقفون خلفها .
إن حلم
"البطولة" الذي راودني منذ الصغر وراود كثيراً من بني قومي قد عبر عن
ذاته عندما حانت لحظة المفاصلة، تلك اللحظة التي تقرر إما أن تكون بطلاً أو تجلس
على قارعة الطريق تتسول من الدنيا فتاتها، حينها تختار إما السلاح ومعه آثاره،
وإما الطريق الآخر الذي لا يناسبك حقاً ولا يناسب قوماً كقومك غارقون في مستنقع
الاحتلال .
أحياناً،
ليس أحياناً فحسب بل في كثير من الأحيان تقنع نفسك أو ربما تحاول أن تقنعها، بأن
البطولة قد أصبحت أمراً مبتذلاً، أو ربما قضية لا تستحق كل هذا التعب، بل وتتمادى
في ذلك وتقول قد انتهى وقتها، أليس من الحماقة أن تفني عمرك في قضية قد تكون خاسرة
؟ أليس من المبتذل أن يكون الحديث في كل مكان وحلم بني قومك عنها ؟
لكن تمهل
قليلاً، فالبطولة تجدد نفسها، وتتألق في كل مرة، وتعطيك إنطباعاً -عند حصولها-
وكأنها حصلت للمرة الأولى، ألا تذكر كيف كانت كل عملية لها "وقع" مختلف
؟ وكلما خرجت في جنازة شهيد أدركت بأن مشاعرك تتفاعل تلقائياً ؟ أليس مع كل صاروخ
يخرج تنتظم وطنيتك مجدداً ؟
ألا
تتمنى مزيداً من عمليات خطف الجنود ؟ مزيداً من المواجهة ؟ مزيداً من نار الصواريخ
؟ مزيداً من الشهداء ؟ مزيداً من التحدي ؟
وحينها
تجيب على نفسك، كل هذا يلزمه بطولة، بل طاقمٌ كاملٌ من الأبطال، كل طلقة تخرج يقف
خلفها بطل، كل قطرة دم وجدتها بعد الاجتياح هي دم بطل، كل جنازة جددت فيك الروح هي
جنازة بطل !
هكذا
إذاً تصنع البطولة وتتجدد في دورات متتابعة، عقود من الزمن مرت على قومك، ماضٍ
طويل يمتد ليصل لنقطة الحاضر ملخصه ثبات واقدام ومقاومة شرسة ما كانت لتكون لولا
قوافل من الأبطال وشلالات من الدماء والتضحيات .
كل هذا
يجبرك على استخلاص الدرس، الدرس الذي يجب أن يبقى محفوراً في قلبك للأبد، عنوان
حياتك المستقبلية وهو أن البطل يصنع نفسه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق