لم يكن
منظر الاستشهاديين وهم يفجرون أجسادهم في شوارع وباصات ومحلات الدولة الإسرائيلية
شيئاً عادياً أو طارئاً على وعي الكيان الإسرائيلي، لم يكن هذا المجتمع المتجبر
والمغرور بقوة جيشه وسطوة دولته يصدق أن هناك من لديه المقدرة المعنوية والعقلية
لضرب هذا المجتمع بكل قوة وشراسة وأن يضعضع أمنه ويخلخل اقتصاده في آن معاً .
لم يتوقف
تأثير يحيى عياش على وعي المجتمع والدولة الإسرائيلية بل تخطاه ليصل لأعماق أعماق
الوعي الفلسطيني، فعندما تتحدث عن المجتمع الإسرائيلي فأنت تتحدث عن رجل استطاع أن
يُدخله لحلبة الصراع وأن يُدفعه ثمن مجازر حكوماته المتعاقبة بعد أن كان بعيداً كل
البعد عن هذا الأمر فأصبح المواطن الإسرائيلي يدرك تماماً أنه سيدفع ثمن حماقات
قادته، ولو تحدثنا عن الدولة الإسرائيلية فنحن نتحدث عن شخص استطاع قلب نظريات
المؤسسة الأمنية والعسكرية رأساً على عقب، فبعدما كانت ترتكز النظرية العسكرية على
ضرورة إبقاء المعركة والمواجهة في ساحة العدو أصبحت المواجهة في قلب المجتمع
الإسرائيلي دفعة واحدة وبدون مقدمات، فضلاً عن ضرب أهم أسس الدولة الإسرائيلية
"الأمن/الاقتصاد" .
أما فيما
يتعلق بحال المجتمع الفلسطيني فزمنية ظهور المهندس والتي تعتبر من أكثر أوقات
القضية الفلسطينية حرجاً بسبب خروج منظمة التحرير من آخر معاقلها من لبنان وضعف
حالة المقاومة العسكرية في الداخل، حيث كان أقصى ما يمكن أن تفعله هي عمليات صغيرة
من وقت لآخر كل ذلك تمم بمجزرة الحرم الإبراهيمي والتي أشعرت الفلسطيني وقتها
بالضعف والانكسار وقلة ذات اليد، جاء المهندس وبدون سابق إنذار ليرد الصاع بالصاع
ويغير من توازن الرعب والدم والعدد فكان عدد قتلى الرد على المجزرة يوازي تقريباً
عدد شهداء المجزرة نفسها، فضلاً عن العقلية الأمنية جديدة الطراز التي دوخت أجهزة
الأمن الإسرائيلي لسنوات خلق شعوراً بالإعجاب بشخصية هذا الرجل، هذا الإعجاب الذي
سيتخطى الشعب الفلسطيني ويصل لكبار عسكريي وسياسيي الدولة الإسرائيلية مثل شمعون
رومح واسحاق رابين .
لقد كانت
رسائل المهندس تصل لكل مكان وتطير في كل الإتجاهات، تلك الرسائل التي عبرت عن كون
الفلسطيني ليس رقماً سهلاً وأن بمقدوره أن يضرب أساس النظريات الأمنية والعسكرية
مهما بلغت سطوتها، وأن لديه من القدرات العقلية والنفسية والمعنوية ما يؤهله
لمواجهة أقوى دول المنطقة وأكثرها تجبراً وايجاعها وإيلامها، كانت أصوات
الانفجارات في كل مدن إسرائيل إيذاناً بميلاد مرحلة كفاحية جديدة وأبطالٍ جدد
اصطلح لاحقاً على تسميتهم بالاستشهاديين، وكانت شجاعة هؤلاء أيضاً تعيد ترميم
الوعي الفلسطيني الذي انتكس بعد نكسات المنظمة العسكرية والسياسية .
رحل
المهندس منذ أكثر من عشرة سنوات ولكن طيفه ما زال متعلقاً في كل من عاصره بعد أن
ارتبطت ذكراه بالشجاعة والإرادة والتصميم والصلابة، رحل المهندس بعدما حاول تيار
"غصن الزيتون" أن يفرض نظريته الانهزامية، فكان "الحزام
الناسف" مبدداً لهذا التيار وأوهامه، عياش يكفيه فخراً أنه بدد أيقونة
الحمامة وأحل محلها أيقونة الحزام بجانب البندقية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق